أحمد الله أننا في المملكة العربية السعودية كدولة ننظر إلى أعلى لنرى الفجوة الكبيرة بيننا وبين الدول المتقدمة (أمريكا والدول الأوروبية واليابان)، وهو ما جعلنا نعلم أننا دولة متخلفة نسبياً (نامية)، والعلم بالشيء خير من الجهل به، وهذا العلم أدى بطبيعة الحال إلى حوارات صحية وهادفة للوصول إلى أفضل وأسرع السبل التي تمكننا من اللحاق بهم في كافة المجالات، وإلا فإن سفينتنا مآلها الغرق ما لم نتداركها في الوقت المناسب؛ لكي تبحر وتتبوأ مراكز متقدمة كما نريد جميعاً.
الرغبة في التقدم أصبحت موقفاً نتبناه جميعاً، قيادة وشعباً، وهذه خطوة متقدمة، تفتقدها الكثير من الدول النامية اليوم. هذه الخطوة جعلتنا جميعاً نحثُّ الخطى لاختصار الزمن بحرق المراحل للوصول إلى أفضل البنى المؤسسية التي تحفز كافة القطاعات العامة والخاصة وغير الربحية، إضافة إلى الأفراد كصناع فكر ورأي وقرار للأخذ بأسباب التقدم والتطور كآلية مثلى لتحقيق الأهداف الخاصة والعامة سواء بسواء.
وبالتأكيد فإن التغيرات المطلوبة لمواجهة التحديات التي تقف عائقاً أمام إعادة هيكلة البنى المؤسسية لتكون أكثر فاعلية في تحقيق النهضة المأمولة ستواجَه بمقاومة كبيرة من أصحاب المصالح أولاً وممن ألفوا الهيكلة الحالية وتوازنوا مع معطياتها ثانياً. وهذه حقيقة واجهتها كل الدول المتقدمة قبلنا، ولكن لا سبيل آخر لدينا إلا التغيير نحو الأفضل؛ لتكون أجهزتنا كافة متناسقة في تحقيق التقدم المنشود في الوقت المناسب.
ومن أخطر ما نواجه ونحن نعمل على تطوير بيئة محفزة لكافة قطاعاتنا التنموية لتلعب دورها المناسب - وأكرر المناسب - هو رفض الكثير من الأجهزة الحكومية في أي منظومة سوقية أو خدمية التخلي عن مهام ومسؤوليات لا يجب أن تقوم بها أساساً أو لا يجب أن تقوم بها بالطريقة الحالية؛ لآثارها السلبية المثبطة على بقية أطراف المنظومة؛ ما يجعل تلك المنظومة تعاني من ضيق في التنفس قد يؤدي إلى شلل أو موت تلك المنظومة بمرور الزمن بدلاً من تنامي عناصرها وارتفاع نسبة مشاركتها في تحقيق التقدم المنشود.
كيف لنا أن نخفف من تلك المقاومة السلبية؟ وكيف لنا أن ندعم عناصر كافة المنظومات الاقتصادية لتعمل منفصلة ومتصلة دون الحاجة إلى أجهزة التنفس الاقتصادي الصناعي التي بدأت تتزايد شيئاً فشيئاً في بلادنا كبديل يعتقد بعضهم أنه فاعل لتنشيط عناصر المنظومات الاقتصادية دون الحاجة إلى إعادة هيكلة تلك المنظومات وملامسة مصالح المنتفعين وتحريك عقول التقليديين؟
قبل الإجابة عن تلك الأسئلة دعوني أُبيِّن لكم الحال الحالي لإحدى المنظومات المهمة في اقتصادنا وجهاز التنفس الاصطناعي الاقتصادي الذي نستخدمه لتطويرها، والمنظومة هي منظومة العلوم والتقنية والابتكار التي تشكل القوة الدافعة الرئيسة لعجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى كونها واحدة من أهم المقومات الرئيسة للدفاع والأمن الوطني الشامل. وجهاز التنفس الاصطناعي الاقتصادي هو مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي تعمل على استكمال وتنشيط تلك المنظومة.
منظومة العلوم والتقنية والابتكار تتكون من مكونات داخلة في أنشطة العلوم والتقنية، وهي: القوى البشرية، التجهيزات المؤسسية، المعارف العلمية والتقنية، والمخصصات المالية. ومكونات خارجة عن تلك الأنشطة مثل: براءات الاختراع، النشر العلمي، نتائج البحوث التطبيقية، والطرائق الجديدة أو المعدلة للإنتاج. ومكونات مستفيدة من تلك الأنشطة والنتائج وهي: القطاعات الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد الوطني. وهذه المكونات مترابطة ترابطاً كبيراً، ولا يمكن تحريكها لتتكامل في تطوير المنظومة من خلال جهاز تنفس اصطناعي اقتصادي مهما كانت قوة هذا الجهاز، وما يحركها إلا قوى السوق التي تحركها المنافسة المحلية والدولية على جيب المستهلك سواء كان فرداً أو مؤسسة.
وإذا علمنا أن المنافسة بين الشركات العاملة في كافة القطاعات هي المحرك الرئيس لعناصر كل منظومة اقتصادية لأدركنا وسائل تخفيف مقاومة المنتفعين والساكنين الذين يرفضون التغيير والتطوير، حيث علينا أن نضع الخطط التنفيذية المقرونة بالإرادة السياسية من أعلى المستويات لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي ليتمكن القطاع الخاص من قيادته في بيئة تنافسية بعيدة عن كافة أشكال الدعم والحماية؛ لينهض القطاع الخاص بدوره في تطوير كافة المنظومات الاقتصادية (المالية، العقارية، الصناعية، الخدمية، العلوم والتقنية، التجارية.. إلخ)؛ لتتحرك بفاعلية في دفع عجلة الاقتصاد قدماً إلى الأمام دون الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعية كما حاصل حالياً.
ختاما، نحن نعلم أن أجهزة التنفس الاصطناعي مهما كانت قوتها لا تُمكِّن الإنسان من التحرك بحرية وقوة وفاعلية ما لم يتخلص منها، وكذلك العناصر المكونة لأي منظومة اقتصادية لا يمكن أن تتحرك بحرية وقوة وفاعلية وهي تستمد عناصر قوتها من أجهزة تنفس اصطناعية؛ فقوة مكونات كل منظومة تستمد من داخلها لتواجه متطلبات المنافسة المحلية والعالمية، وما علينا سوى تفعيل دور المنافسة في تحقيق التقدم، وسنرى كل منظومة وقد اكتملت عناصرها تلقائياً دون الحاجة إلى أجهزة تنفس أو عقاقير منشطة أو أدوية معالجة.
******
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244