أحداث الحادي عشر من سبتمبر فتحت أبواب الشر على الإسلام والمسلمين، وكانت سبباً مباشراً في إضعاف الأمة، وتفرقها، واستباحة أراضيها، وقطع المساعدات الإنسانية عن فقراء المسلمين في دول العالم، وأدت بصورة مباشرة إلى التضييق على الجمعيات الخيرية، والهيئات الإنسانية السعودية واتهامها بتمويل الإرهاب. للأسف الشديد فقد طالت التهم الأمريكية جهات حكومية، وشخصيات دبلوماسية كانت تتولى قيادة الحرب على الجماعات الإرهابية التي استباحت دماء المسلمين وممتلكاتهم. أوجدت هجمات الحادي عشر من سبتمبر العذر للمتربصين بالأمة شن هجوم كاسح على السعودية، وتنفيذ جزء من مخططاتهم التخريبية الموجهة ضد الإسلام والمسلمين.
بعد سبع سنوات من التجني والظلم الفاضح، برأ تقرير خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي السعودية من تهمة (تمويل الإرهاب)، وأقر بجهودها المضنية في حربها (القاسية) على الإرهاب، وأشار إلى (أن اللوائح الجديدة للتحكم في الجمعيات الخيرية التي توجد مقارها في السعودية، تذهب على الأرجح أبعد من أي بلد في العالم).
تقرير لجنة الكونجرس الذي نشرته جريدة الحياة الأسبوع الماضي برأ السعودية من تهمة تمويل الإرهاب، وأقر بجهودها الحثيثة التي أمكن من خلالها السيطرة التامة على خطر التمويل، وأشاد بالتدابير التي اتخذتها المملكة في حربها على الإرهاب.
الزميل جميل الذيابي، وفي تعليقه على تقرير (خدمة أبحاث الكونجرس) أشار إلى أن (أداء الأجهزة الأمنية السعودية ودورها أجبرا كثيرين من الجانب الأمريكي على الاحتكام إلى (الحقيقة)، وليس الاستماع إلى تخرُّصات أصدقاء إسرائيل في الصحافة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة).
والحقيقة أن الإدارة الأمريكية كانت على اطلاع تام ببراءة السعودية من تمويل الإرهاب منذ اليوم الأول لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكذلك أعضاء (حزب الصقور) الذين كانوا يقفون بقوة خلف اتهام السعودية بتمويل الإرهاب، إلا أن إستراتيجية الحرب الأمريكية الشاملة فرضت على الأطراف الأمريكية اتخاذ مواقف معادية للسعودية بغية إضعافها وإشغالها في سبيل تحقيق أهداف صقور الحكومة الأمريكية في العراق وأفغانستان.
أجزم بأن تقرير الكونجرس ما هو إلا إظهار للحقيقة وليس اكتشاف لها على أساس أن الحكومة الأمريكية تعلم منذ البداية براءة السعودية من جميع التهم التي تسابقت على إطلاقها جماعات الضغط الموالية لإسرائيل، والممهدة لتحركات الجيش الأمريكي في المنطقة.
للأسف الشديد، استغل موضوع الإرهاب وتمويله كأداة لتحقيق أهداف داخلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت في كثير من الأحيان بعيدة كل البعد عن الحزب الحاكم. على أساس أن اللجان الخاصة، الإعلام، ومجلسي النواب والشيوخ كانوا مرتعاً لهذه الاتهامات.
وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أكدت في نوفمبر 2005: على (أن الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية في مكافحة الإرهاب محل تقدير الولايات المتحدة الأمريكية) في فبراير 2005 أقامت السعودية مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب.
وطرحت وزارة الداخلية السعودية فيه ورقة عملها الأولى شملت عدة موضوعات تمثلت في كفاءة الأجهزة الأمنية، ثم تجربة السعودية في التعامل مع الإرهاب وجهودها في مكافحته، ثم جهود وزارة الداخلية ومبادراتها من خلال العمل العربي المشترك، والمواقف الثابتة للسعودية من الإرهاب.
المملكة تفاعلت مع المجتمع الدولي بكفاءة وهو ما أكده الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية في كلمة المملكة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والخمسين حينما قال: (إن موقف المملكة العربية السعودية من الإرهاب كان ولا يزال واضحاً وموضوعياً ومسؤولاً) وأكد على تقيد السعودية بقرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001 موضحاً أن السعودية سنت الأنظمة اللازمة لمكافحة الإرهاب الذي عانت منه، وأنها من الدول الموقعة على اتفاقيات مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.
إستراتيجية السعودية لمكافحة الإرهاب ركزت على الجوانب الأمنية، الفكرية، والمالية التي تنضوي تحتها عمليات مكافحة تمويل الإرهاب. تبنت السعودية جميع توصيات المنظمة العالمية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب Financial Action Task Force FATf ونفذتها بدقة متناهية، وعملت على سن القوانين والأنظمة الداخلية للسيطرة على حركة تناقل الأموال، وفتح الحسابات، ومراقبة التدفقات النقدية الكبيرة، وتعاملت بجد مع الأطراف الدولية الفاعلة والمهتمة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، والبنوك السعودية أنجزت جميع متطلبات المنظمات الدولية وبخاصة المتعلقة منها بأنظمة وقوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وزارة الداخلية كان لها دور كبير في مراقبة العمليات المالية معتمدة على التقنيات المتطورة والكفاءات البشرية التي أثبتت مقدرتها على كشف بعض الجرائم المالية المعقدة، إضافة إلى كشفها عن مبالغ نقدية ضخمة كانت مخزنة ومعدة لتمويل عمليات إرهابية داخل السعودية.
كل هذه الجهود كانت معروفة لغالبية الجهات العالمية المحايدة، الأمريكية منها على وجه الخصوص، إلا أنها كانت مغيبة بالكلية عن الإعلام الأمريكي الموجه من قبل جماعات الضغط اليمينية.
حملات الدعاية الأمريكية المركزة فرضت على الساسة الأمريكيين التجاوب معها لكسب تأييد الرأي العام، على أساس أن الهجوم على السعودية يحقق النجاح لحملات الانتخاب الداخلية.
توقيت إصدار تقرير لجنة أبحاث الكونجرس ربما جاء في وقته المناسب قبيل بدء حملات الانتخابات الرئاسية التي قطعاً ستكون السعودية محوراً من محاورها الرئيسة، ما يجعلنا نناشد وزارة الخارجية، والسفارة السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية باستغلال هذا التقرير المحايد لتحسين صورة المملكة العربية السعودية التي شوهت بسبب اتهامها بتمويل الإرهاب.
نتمنى أن يتم وضع إستراتيجية إعلامية واضحة تقوم على استغلال هذا التقرير المحايد وتتولى تنفيذها وكالات العلاقات العامة الأمريكية عن طريق كتاب الرأي، المنظمات المتعاطفة مع السعودية، الأشخاص المؤثرين في الإعلام الغربي، بعيداً عن الطرق التقليدية المباشرة التي تؤثر سلباً على الرسالة الإعلامية الصادقة.
الاحتفال داخلياً بتقرير لجنة الكونجرس وبراءة السعودية من تهمة تمويل الإرهاب لن يضيف لنا شيئاً على أساس أننا أكثر العارفين ببواطن الأمور، وكل ما نرجوه أن نحتفل داخلياً بنجاح إستراتيجية تحسين صورة السعودية لدى الإعلام، والشعب الأمريكي (الناخبين) الذين عادة ما يفرضون على أعضاء الحكومة، ومجلسي الشيوخ والنواب اتخاذ قرارات قد تضر بالعلاقات السعودية الأمريكية، وباستقرار المنطقة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244