د. حسن أمين الشقطي
أغلقت سوق الأسهم خلال الأسبوع الأول من العام الجديد على هبوط أفقدها حوالي 523 نقطة، كما أنه تسبب في تغيرات جوهرية في نفسية وتعاملات المتداولين التي تباينت ما بين متفائل، ومتشائم وفاقد للأمل.. كما أنه أوجد مخاوف كبيرة لدى المتداولين؛ لأنه جاء بعد صعود قوي لفترة طويلة نسبياً لم تشهد جني أرباح حقيقياً أو تهدئة لحركة المؤشر. وقد اختلف المتابعون للسوق حول أسباب هذا الهبوط المتتالي للمؤشر هذا الأسبوع، هل هو نتيجة إحباطهم في منحة (سابك)؟ أم العودة غير المرضية لإنعام؟ بل ولماذا شملت حالة عدم الرضا كافة المساهمين تقريباً ولم تقتصر على المساهمين في إنعام فقط؟ أيضا هل يمكن أن يكون للاكتتاب في شركة بترورابغ دور في مثل هذا الهبوط؟
نجاح مساعي الإغلاق الوهمي
رغم أن السوق أغلقت يوم السبت على صعود أكسب المؤشر 42 نقطة، إلا أنه دخل في مسار هابط من الأحد حتى الأربعاء، أفقده حوالي 210 نقاط يوم الأحد، وحوالي 71 نقطة يوم الاثنين، ثم 334 نقطة يوم الثلاثاء، واستمر الهبوط معظم يوم الأربعاء حتى انتفضت (سابك) في الساعة الأخيرة لتعوض خسائر اليوم، وتربحه حوالي 50 نقطة. ويأتي هذا الارتداد الوهمي المعتاد كمن يسعى لتجميل إغلاقه.
أسباب التراجع في مستويات السيولة
طرأ تراجع قوي على السيولة المتداولة هذا الأسبوع؛ حيث تراجعت من مستوى 15.3 مليار يوم السبت إلى 13 ملياراً يوم الأحد، ثم إلى 10.4 مليار يوم الاثنين، ثم إلى 8.3 مليار يوم الثلاثاء. وخلال هذا الأسبوع لم تطرأ أية تغيرات مهمة في السوق سوى قرار منحة (سابك) الذي صدر صباح الأحد والإعلان عن عودة إنعام الذي صدر مساء الاثنين.. فما هو مدلول كل منهما على المتداولين؟
إحباط المتداولين في منحة (سابك)
في صباح الأحد أعلنت (سابك) رسمياً توصية مجلس إدارتها بزيادة رأس مالها من 25 مليار ريال إلى 30 مليار ريال، وذلك عن طريق منح سهم مجاني لكل خمسة أسهم. كما أوصى المجلس بالموافقة على صرف 5 مليارات ريال أرباحاً نقدية على المساهمين عن النصف الثاني من عام 2007م بواقع 2 ريال للسهم الواحد؛ ليصبح إجمالي الأرباح النقدية المقترح توزيعها 7.5 مليار ريال أرباحاً على المساهمين عن عام 2007م بواقع 3 ريالات للسهم الواحد. بداية، فقد صدر الإعلان في صباح اليوم وليس في نهايته. كما أنه جاء في صباح اليوم الثاني من الأسبوع، وليس في نهاية الأسبوع كما هو معتاد، بما أثار بعض الإرباك للمتداولين. وقد تسبب إعلان (سابك) في حالة من التشاؤم والإحباط للمتداولين، ليس للمساهمين في (سابك) وحدها، ولكن للمتداولين في كافة السوق من جانبين: أولا، فمن المعتاد أن تشهد السوق تحركاً كثيفاً قبل الإعلان الرسمي لأرباح (سابك)، وها قد أعلنت ومن ثم فالجميع يدرك أن ركوداً سيشهد السوق، وكنا نفضل أن يترك هذا الإعلان حتى تعلن الشركات الأخرى؛ حتى تنعم السوق بفترة زخم شائعات التضخيم في أرباح (سابك). ثانيا، فإن الإعلان عن منحة بواقع سهم لكل خمسة أسهم جاء محبطاً؛ نظراً إلى التوقعات الكبيرة للمساهمين بأن تكون المنحة أعلى من هذا بكثير.
باختصار، فبمجرد الإعلان عن أرباح ومنحة (سابك) شهدت السوق فتوراً وغياباً للسيولة بشكل لافت؛ نظرا إلى أن الجميع متوقعون أن قوة صعود (سابك) تبدو قد اقترب أجلها، وأن تجاوزها لسقف الـ200 ريال لن يستمر طويلاً. وإذا كانت هذه هي التوقعات لسابك قائدة السوق فكيف سيكون حال أسهمها الأخرى الأقل حظاً استثمارياً؟
إنعام والعودة المشروطة
أما عن القرار الثاني الذي يتوقع أن يكون قد لعب دوراً سلبياً في هبوط المؤشر فهو إعلان الهيئة عن سماحها بتداول أسهم شركة إنعام في السوق، على أن يجري هذا التداول خارج نظام التداول الآلي المستمر، ووفق ضوابطَ تقترحها شركة تداول ويقرها مجلس الهيئة خلال شهر من تاريخ هذا القرار. وقد تسبب هذا القرار في خلق وضع تشاؤمي لدى شريحة عريضة من المساهمين في السوق بجانب مساهمي إنعام، وذلك للأسباب الآتية:
أولاً: القرار واقعياً لم يقدم جديداً لمساهمي إنعام الذين يترقبون فك الحصار على أموالهم المجمدة؛ فالقرار أشار إلى آلية جديدة، ولكنه لم يحدد أوان تطبيقها.
ثانياً: أن القرار قد أدخل مساهمي إنعام في دائرة تداول جديدة مبهمة، ومن المحتمل ألا تلبي اعتباراتهم المضاربية التي اشتروا سهم إنعام في سياقها. كما أنهم لا يعيرون اهتماما للوضع المالي للشركة، فقط هم يعولون على القدرات المضاربية الفائقة للسهم.. تلك التي سيفتقدونها في ظل التداول خارج نظام التداول الآلي المستمر.
ثالثاً: أن السوق المحلية لا تمتلك حالياً آلية حقيقية للتداول خارج النظام الآلي المستمر، وبالتالي فإن النظام الجديد سيتم اختباره على سهم إنعام على ما يبدو.
الحكاية..
إنَّ القرار الجديد لعودة إنعام ربما يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، ليس فقط لمساهمي إنعام، وإنما للمساهمين في جيل كامل من الأسهم الخاسرة وذات الأوضاع المالية الشائكة في السوق. ولكن ما علاقة قرار إنعام بكافة المساهمين في الأسهم المضاربية؟ إنَّ تحديد الهيئة لتداول إنعام بعد عودته خارج النظام الآلي المستمر ليؤكد أن هناك سوقاً جديدة في طور الإنشاء، ستكون بمثابة سوق توازي السوق الرسمية.. أيا كان شكلها.. ولكن لمن هذه السوق؟ هل لشركة إنعام وحدها؟ وهل يعقل أن تُنْشَأ هذه السوق ويتداول بها سهم إنعام ثم يعود السهم للسوق الرسمية؟ بالطبع هذه السوق لن تكون لإنعام وحدها، بل يتوقع أن تكون نشأة هذه السوق بمثابة تهيئة واستعداد لانضمام أسهم أخرى تعاني أو تتشابه في ذات الظروف المالية الصعبة. وربما يكون المانع الوحيد أمام الهيئة لتعليق أو إيقاف هذه الشركات هو معاناة المساهمين في إنعام وبيشة، ولكن في ظل خلق مسار تداول خارج النظام الآلي المستمر للسوق فقد يكون الطريق متاحاً أمام الهيئة لتحويل هذه الشركات إلى هذا المسار الثاني.. أي أن هذا الإعلان يعتبر بمثابة بداية لمسار جديد بالسوق لكل سهم منتقص وغير مكتمل مالياً!!!
هل انتهى عصر المضاربات القوية في الأسهم الخاسرة؟
تعاني الأسهم المضاربية ذات الأوضاع المالية الصعبة حالياً من مسارات هابطة مستمرة في أسعارها، أحرزت في ضوئها خسائر كبيرة، وصلت خلال الشهر الأخير إلى حوالي 32% لثمار، و22.3% للباحة، و22% لشمس، و20.2% للأسماك، و12% لمبرد.. أما عن الأمر الغريب بأن الانتكاسة الشديدة لكافة هذه الأسهم جاءت متزامنة وفي وقت واحد تقريباً؛ حيث جميعها بدأت تحقق خسائر ملموسة بداية من 5 ديسمبر من الشهر الماضي.. ولكن مع ذلك، أليس من المتوقع أن يكون في مقدور هذه الأسهم التحرك ولكن لفترة قصيرة في ظل بدء هبوط القياديات (وعلى رأسها البنوك) التي نالت الحظ الوفير من الصعود؟ فإذا كانت الأسهم الاستثمارية قد وصلت إلى مستويات غير عادلة لها وتجاوزتها إلى أبعد مما هو مستهدف لها، فألا تتحرك تلك الأسهم الخفيفة الرشيقة؟ إنَّ التساؤل الذي يطرح نفسه: كيف فقدت هذه الأسهم المضاربية مصداقيتها؟ وكيف انتهى عصر الإقبال عليها؟ أين ساكنوها؟ أين المعجبون بها؟ لماذا هم خائفون منها؟ وهل لهذه المخاوف ما يبررها؟
في ظل الظروف العادية وقبل صدور قرار عودة إنعام كان من المتوقع أن تقوم الأسهم المضاربية بقيادة دورة صعود جديدة بعد انتهاء دورة القياديات، فالأسهم القيادية توقعاتها تدور الآن ما بين هابط وهادئ.. وكانت الآمال معقودة على أسهم النشاط المضاربي القديم، التي بالفعل الجميع توقع أن يكون هبوطها الأخير بمثابة إشارات للدخول فيها؛ لكي يتم التجميع بأسعار متدنية تبدأ بعدها في مسارات صاعدة بعد طول هبوط.. إلا أن قرار عودة إنعام إلى سوق موازية جديدة بدَّد كل هذه الآمال من خلال سيطرة مخاوف كبيرة من أن ينال هذه الأسهم المضاربية نفس المصير الذي ضرب إنعام وبيشة، وبخاصة أن في الأفق يلوح سوق جديدة قد تكون غير مرضية مضاربياً لمتداولين ومجموعات اعتادوا على خلط الحابل بالنابل؛ لكي يحققوا أرباحاً خيالية، فهل سيمتلكون القدرة على تحقيق نفس مستويات الأرباح إذا جمعت وعزلت أسهمهم (ذات الأوضاع المالية الشائكة) في سوق جديدة بعيداً عن الأسهم الاستثمارية البراقة في السوق؟
سابك والراجحي تحققان أعلى معدلات للتذبذب
في يوم الثلاثاء الماضي سجلت سابك والراجحي معدلات تذبذب واسعة؛ حيث تذبذب الراجحي بين 132.25 و122.25 ريال، في حين تذبذبت سابك ما بين 200.75 و191.75 ريال، وهو الأمر الذي يوضح عدم صمود وتماسك السهمين عند المستويات الحالية.
لماذا لم تظهر تقارير توصي بالابتعاد عن الأسعار غير العادلة لبعض الأسهم الاستثمارية؟
إذا سألت البعض: هل وصول سابك لمستوى 210 ريالات يعتبر مناسباً؟ قد يرد عليك ويقول: سابك حتى لو وصلت إلى 500 ريال فسعرها سيكون عادلاً؛ فهي تمتلك أكبر مشاريع، وهي أضخم مؤسسة، وهي أقوى شركة. كل هذا صحيح، ولكن لا علاقة له بالسعر العادل.. وجه الاستغراب أنه عندما تسقط أسعار الأسهم عن أسعارها العادلة تجد الكل يتهافت على تحديد هذا السعر العادل الذي ينبغي أن يصل إليه السهم. ولكن عندما يتجاوز سعر السهم مستواه العادل لا تجد أحداً يوصي بالابتعاد عن السهم.. لقد اختفت التقارير المالية التي في اعتقادي أنها كانت تهدف إلى دعم شركات الأسهم أو تعزيز مكانتها بعيداً عن اعتبارات خدمة أهداف المساهمين وتوعيتهم.
من جديد نعود الآن لنؤكد أن السوق تفتقر إلى جهات التوعية التي لا هدف لها سوى رعاية مصالح المتداولين.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com