اليوم أحاول أن اربط بين بعض المقالات السابقة وبين ما يحدث في سوق الإصدار الأولية، لا بقصد إثبات صحة التوقعات، والعياذ بالله، بل لهدف تقديم النصح والمشورة لصغار المستثمرين الذين تتقاذفهم أمواج سوق الأسهم العاتية.
أكثر من عام مضت على كتابة مقالة (اكتتابات الوهم والكوارث المتوقعة)، التي أقحمت العبد الفقير إلى الله في عش الدبابير مما عرضه للسعاتهم التي أكسبته بفضل الله مناعة وقوة. لَخْصَت المقالة حال بعض الشركات الضعيفة التي تحولت بين عشية وضحاها إلى شركات مساهمة ونجحت في فرض علاوات إصدار خرافية لأسهمها الضعيفة دفعها صغار المستثمرين من جيوبهم، وطالَبَت في الوقت نفسه الجهات المسؤولة بالتعجيل في طرح الشركات الضخمة التي (يحتاج لها السوق والمستثمرون، على أساس أنها الداعم الحقيقي لسوقي الإصدار والتداول، وما عدا ذلك فهو لا يعدو أن يكون وسيلة لإثراء الأقلية على حساب الأكثرية).
ردة فعل صغار المستثمرين على (اكتتابات الوهم) جاءت متأخرة، فأبعدتهم بعد أن ذاقوا مرارتها، عن الشركات الضخمة التي كان من المفترض أن تعوضهم بعض خسائرهم في سوقي الإصدار والتداول.
ابتعد غالبية صغار المستثمرين عن الاكتتاب في شركة كيان بعد تعرضهم لحملات دعائية مشبوهة ساعدت في حرمانهم من استغلال حقهم الشرعي في الشركات الصناعية الضخمة التي خُطِط لها أن تكون الوسيلة الناجعة لإشراك المواطنين في استثمارات الوطن. ماكينة الدعاية المنفرة من اكتتابات الخير كانت أقوى من جهود المنصحين من الاقتصاديين، والزملاء الإعلاميين. فعنصر الخوف من افتتاح السهم بأقل من قيمته الاسمية في سوق التداول كان شفرة الحملات الدعائية التي غطت منتديات الإنترنت، وصاحبت بعض التغطيات الإعلامية المشبوهة.
كتبت بعد ظهور نتائج الاكتتاب المفاجئة لكل من أسقط حقه في الاكتتاب من صغار المستثمرين في (الجزيرة) وتحت عنوان (دانة غاز.. بنك الريان.. أم (كيان)؟) ما نصه: (الحقيقة المجرَّدة أن رجال المال والأعمال الذين دفعوا أكثر من 34 مليار ريال (المبلغ الإجمالي 37.9 مليار ريال) للحصول على حصة الأسد في شركة (كيان) أو 17 مليار ريال، إذا ما سلَّمنا جدلاً بوجود التسهيلات البنكية، هم أكثر الناس معرفة بنجاعة الاستثمار في الشركة، والعوائد المتوقعة على رأس المال المستثمر؛ لذا أنصح صغار المستثمرين بالاقتداء بأعمالهم وترك أقوالهم، على أساس أنهم يفعلون ما لا يقولون) كنت أحاول أن أقنع صغار المستثمرين بالاحتفاظ بأسهمهم وعدم التفريط بها مع ساعات التداول الأولى، بعد أن اجتهد الزملاء وأنا آخرهم في حثهم على الاكتتاب حتى اليوم الأخير. قلة هم الذين أبقوا على أسهم ولم يبادروا بالتخلص منها، فكبار المستثمرين، وفي مقدمهم صناديق الاستثمار، تفننوا في الضغط على السهم في نطاق 12 ريالاً لجمع الكم الأكبر من أسهم الشركة. وبعد أن تحقق لهم ما خططوا له قادوا السهم لملامسة 28 ريالاً وسط حسرات المتعجلين بالبيع، والممتنعين عن استغلال حق الاكتتاب في واحدة من أكبر الشركات البتروكيماوية السعودية.
تعمدت الإطالة، والاستشهاد رغبة في التذكير، وأخذ الحيطة والحذر من صنائع (المنفرين) المتوقعة مع بدء اكتتاب شركة (بترورابغ) اللؤلؤة الجديدة في عِقْد الشركات البتروكيماوية الوطنية. حملات التنفير الدعائية لا تظهر إلا مع طرح الشركات الرائدة، وكل ما أخشاه أن تبدأ حملات التنفير الدعائية مع نهاية الأسبوع الحالي مستغلة كل الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها حرمان صغار المستثمرين من الاكتتاب في الشركة.
ترى ماذا يمكن أن أضيف حيال شركة (بترورابغ)؟
أعتقد أن شركة (أرامكو السعودية) قررت، بعد ما يقرب من خمسة وسبعين عاما على إنتاج النفط، دخول عالم صناعة البتروكيماويات من خلال شراكتها الإستراتيجية مع شركة (سوميتوموكيميكال) اليابانية. وعلى الرغم من ملاءة (أرامكو السعودية) المالية، ومقدرتها التقنية والإدارية، وخبرتها الواسعة في صناعة النفط، والأسواق العالمية، إلا أنها اختارت لنفسها الشراكة الإستراتيجية التي يمكن من خلالها ضمان النتائج، واختصار مدة الإنتاج، والحصول على التقنية الحديثة الضامنة لتحقيق الأهداف المرسومة بدقة متناهية بعيداً عن مخاطر الصناعات الجديدة وأسواقها العالمية، وهذا بحد ذاته يعطي الثقة والاطمئنان لكل من يبحث عن الاستثمار في الفرص الإستراتيجية الآمنة. الرئيس التنفيذي لشركة (بترورابغ) سعد الدوسري أشار في مقابلة مع قناة (العربية) إلى أن أرامكو السعودية ستتولى تسويق المشتقات النفطية في السوق المحلية في الوقت الذي ستتولى فيه (سوميتوموكيميكال) تسويق المنتجات البتروكيماوية عالمياً. السوق السعودية تحتاج إلى مزيد من المنتجات النفطية المكررة وهذا يمثل ضمان التسويق لمجمل الإنتاج على أساس أن الطلب المحلي يزيد بكثير عن القدرة الإنتاجية للمصافي السعودية. أما الطلب على المنتجات البتروكيماوية فهو في نمو متزايد، وأسعارها باتت تسجل مستويات قياسية في الأسواق العالمية.
الشراكة الإستراتيجية في (بترورابغ) تحقق لشركة (أرامكو السعودية) هدف الدخول في قطاع الصناعات البتروكيماوية وأسواقها العالمية من خلال إحدى الشركات العالمية الرائدة في صناعة البتروكيماويات، كما أنها تحقق لشركة (سوميتوموكيميكال) هدف التوسع الإستراتيجي، وضمان الحصول على المواد الأولية بأسعار تنافسية من مصدرها الرئيس، إضافة إلى دخولها عالم صناعة التكرير في واحدة من أهم الأسواق العالمية.
تلك الأهداف، والمصالح المشتركة، جميعها تصب في مصلحة الاقتصاد السعودي الحاضن لهذه الشراكة الإستراتيجية. فالاقتصاد السعودي بات يعول كثيرا على الشراكات الإستراتيجية في قطاع الصناعات الحديثة على أساس أنها المستقبل الواعد للتنمية الصناعية الشاملة، والتنمية البشرية، وتنمية الموارد المالية وتنويع مصادرها، وقبل كل هذا فهو يصب في مصلحة كل من قرر الاكتتاب في أول طرح عام لإحدى القطاعات النفطية التي كانت من المحرمات الاستثمارية على القطاع الخاص. كل ما أتمناه أن يثق المكتتب السعودي بالفرص الاستثمارية النادرة التي باتت تقدمها حكومته تباعا، وأن يستغلها الاستغلال الأمثل ويحولها إلى استثمار ادخاري وألا يسارع في التخلص منها من أجل الربح البسيط.
أتمنى من علمائنا الأجلاء ألا يسارعوا في إصدار فتوى الاكتتاب قبل الإحاطة بمجمل الأمور المتعلقة بهذه الشركة التي تعد جزءا لا يتجزأ من شركة أرامكو السعودية التي تغذي خزينة الدولة بإيراداتها المالية، وأتمنى من هيئة سوق المال أن تنحاز في تخصيصها لصغار المستثمرين كما فعلت مشكورة في اكتتاب شركة كيان، وأتمنى من الإعلام المتخصص تقديم النصح والمشورة للمكتتبين وحثهم على عدم التفريط بحقهم في الاكتتاب والمشاركة في فرص الاستثمار التي أتاحتها الدولة للمواطنين.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244
f.albuainain@hotmail.com