يقول لي أكثر من قريب وصديق بأنهم يعانون من مشكلة كبيرة تنغص عليهم حياتهم، وهي مشكلة المواصلات لنقل الأبناء والبنات من وإلى المدارس وتنقل الزوجات لقضاء حوائجهن أيا كان نوعها،
وهذه المشكلة جعلتهم يلجؤون إلى استقدام سائقين يستنزفون نسبة كبيرة من دخل الأسرة في حال استمرارهم في العمل إضافة إلى أخطارهم الاجتماعية، كما أنهم يكبدون الأسرة خسائر مالية ومعنوية كبيرة حال هروبهم وهي مشكلة أخرى تحولت من حالات فردية إلى ظاهرة اكتوت بنارها كل أسرة تقريبا.
والكل يتساءل لماذا لا تقود المرأة السيارة لمساعدة الزوج في حل هذه المشكلة وللاستغناء عن السائق الذي يشارك الأسرة في دخلها وفي سكنها وفي معيشتها، والكل أدرك من خلال الحوارات والتصريحات الرسمية التي تناولت قضية قيادة المرأة للسيارة أن المانع ليس شرعيا بقدر ما هو اجتماعي واحترازي ومن باب سد الذرائع.
المرأة مورد بشري مهما قلنا، وهي كما الرجل تماما وسيلة التنمية وغايتها، وهي تعاني في بلادنا معاناة شديدة ونعاني نحن معاشر الرجال لمعاناتها، فهي تعاني من التضييق، وتعاني من ندرة الفرص التدريبية والتعليمية والوظيفية المتاحة لها، كما تعاني من ضعف حيلتها أمام الرجل إذا ظلم أو تعسف حتى وإن كان هذا الرجل أبا أو أخا أو زوجا، وقصص حرمان النساء من قبل أقربائهن من حقوقهن لا حصر لها.
السؤال الذي يشغل بال الكثير هل الاقصاء والتقييد والحرمان كأسباب تجعل المرأة السعودية تعاني مما تعاني منها جاءت من منطلقات دينية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، والسؤال لازال يبحث عن جواب تتفق عليه الأغلبية، وإن بدا لنا أن الأسباب تعود لفكر وسلوك اجتماعي متوارث عزز بفكر وسلوك ديني ألبسه لبوس القدسية واعتاد عليه الناس فأصبح حقيقة ثابتة لا مشكلة يمكن علاجها كما يتصور البعض.
ومهما كانت الأسباب فإن نتائج معاناة المرأة وما تبعها من معاناة للرجل والأسرة أصبحت ظاهرة للعيان ولا يمكن احتمالها إلى الأبد خاصة وأن المشاكل المترتبة على ذلك تتفاقم تدريجيا، بعض الأسر تدفع حوالي 20% من دخلها الشهري للسائق، بعض الأسر تعاني من ضيق ذات اليد لأن راتب الرجل لا يكفي للوفاء بالالتزامات وزوجته عاطلة عن العمل رغم دراستها لمدة تزيد عن 16 عاما لتحصل على الشهادة الجامعية، المرأة التي يريد لها البعض أن تتفرغ لمهمتها العظيمة وهي تربية الأبناء أصبحت فاشلة لا تصلح للقيام بهذه المهمة لأنها امرأة مغيبة عن الواقع فلا تفهمه وهي في صدام دائم مع زوجها وأبنائها الذين يعايشون الواقع ويرونه بطريقة لا يمكن لها أن تراها كونها مغيبة عنه، فكيف لها أن تربي وهي تحكم على الأشياء من خلال معرفتها القاصرة؟ سؤال يحتاج لجواب، وكلي ثقة بأن فاقد الشيء لا يعطيه.
في دراسة ميدانية حديثة عن سوق عمل المرأة السعودية اتضح أن 83% من الفتيات السعوديات يبحثن عن عمل وأن 41% من العينة مضى عليهن أكثر من سنتين وهن يبحثن عن عمل وهو ما يشير إلى صعوبة الحصول على وظيفة بسبب ندرة الوظائف المتاحة للنساء، لماذا الرغبة بالعمل؟ بالتأكيد الأسباب اقتصادية فالأسر تئن اليوم تحت وطأة الغلاء وطلبات الحياة المتزايدة، ولماذا ندرة الوظائف النسائية؟
لقد كادت أختي أن تترك عملها في وقت سابق وهي طبيبة بسبب تعبها من قضية المواصلات. فزوجها يعمل بشركة لا تسمح له بالتأخر ولا دقيقة واحدة وهي لا ترضى أن تختلي بسائق يوميا لمدة ساعتين على الأقل. فعانينا الأمرين لإقناعها بأن ترتكب أخف الضررين وهو الركوب مع السائق الأجنبي جيئة وذهابا إلى المستشفى. أما أحد الأصدقاء يقول لي وهو يدرس ابنته في إحدى الكليات الأهلية على حسابه، يقول إني أعلمها وأدفع الكثير من المال على تعليمها، ولا أعلم هل تجد لها عملا لتسد تكاليف تدريسها على الأقل وتساعد زوج المستقبل على تكاليف الحياة، وهو محبط بشكل كبير، ومن حقه ومن حق كل والد أن يحبط وهو يرى الفرص الوظيفية النسائية نادرة ولا تتوفر (إن توفرت) إلا بعد طول عناء وانتظار مع مصاعب التنقل إن حصلت على الوظيفة.
موضوع عمل المرأة يجب أن يناقش بموضوعية بعد أن تقصى عنه جميع الشوائب التي دخلت على الدين من باب العادات والتقاليد، لنعود إلى النبع الصافي لديننا الحنيف دون بدع، فالزيادة في الدين أشد من النقصان، فمن زاد على الناس في دينهم شق عليهم وإن بدا له أنه يريد لهم الصلاح، والله أعلم بعباده، وليعلم من يريد للمرأة العفة من خلال التضييق عليها، أقول فليعلم أنه لا عفة البتة إلا بقناعة راسخة وإيمان قوي في قلب تلك المرأة، أما العفة من خلال المنع والتضييق فهي غير ممكنة والأدلة والقصص لا حصر لها.
ختاما أرجو أن تقوم الجهات الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني بإثارة قضية تفعيل دور المرأة كمورد بشري هام من خلال أنشطة فكرية (مؤتمرات، منتديات، ورش عمل، محاضرات.. إلخ) للتأصيل لحوارات فكرية موضوعية وهادفة لتفعيل دور المرأة على مستوى الأسرة والمجتمع لتنهض بدورها على أكمل وجه، ولتكون عنصرا منتجا في المجتمع السعودي الحديث كما كانت أيام القرى والبادية وكلنا يعلم دورها الإنتاجي ومن لا يعلم ذلك فليسأل كبار السن. وأنا أعلم أنه كان هناك بعض الندوات ولكن من خلال متابعتي لها وجدت أنها ندوات (مقولبة) لم تناقش بصراحة ولم تخرج بالتالي بنتائج تمس المشكلة إلا من بعيد ببعض التلميحات. كما أرجو وأتمنى أن تتعدى التصاريح التي تقول بأنه لا مانع من قيادة المرأة إذا أراد المجتمع ذلك إلى العمل بأي طريقة لاستقراء رأي المجتمع. والقيام بالترتيبات الضرورية المؤسسية للبدء في تنفيذ رغبة المجتمع وحتى لا أغضب علي البعض أقول شريحة لا بأس بها من المجتمع، أنا والكثير الكثير نشكل جزءاً من المجتمع ونقول نعم وبصوت عال، نعم لفتح آفاق أوسع لعمل المرأة، ونعم قوية لقيادة المرأة، ونعم لمشاركتها في بناء المجتمع، وأقول لا لمن يريد أن يفرض رأيه، فمن أراد أن يمنع زوجته أو أخته من القيادة فهو حر، ولكن لا يستطيع أن يفرض رأيه علينا جميعا.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail.com