توالت الأحداث في باكستان الواحد تلو الآخر وبشكل تراجيدي لا يخلو من مفارقات عجيبة وعلامات استفهام حمراء فيما يجري سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، فمن تخلي الرئيس مشرف عن بزته العكسرية التي ودعها بدموع عشاق المؤسسة العسكرية, إلى رفع حالة الطوارئ، وعودة شقي المعارضة نواز شريف وبناظير بوتو التي لقيت مصرعها في خضم الصراع السياسي الدائر في البلاد بين أقطاب السياسة الباكستانية التي كانت تستعد وتشحذ هممها لدخول الانتاخابات التشريعية الوشيكة، فإذا بها تجد نفسها أمام معضلة جديدة تزيد من تعقيد الوضع الباكستاني الداخلي وتخلط أوراق لعبته السياسية من جديد.
ما يحتم على جميع الأطراف سواء كانت في المعارضة أو السلطة الاتصاف بأعلى درجات ضبط النفس والتحلي بأكبر قدر من المسئولية والاتزان وتقدير متطلبات وحساسية الظرف الحالي التي تمر به الأمة الباكستانية التي يجب أن تنصب كل الجهود وتتركز في أولوياتها الآن للحفاظ على وحدتها وديمومة استقراراها السياسي والمؤسساتي.
فتبادل الاتهامات بين الأطراف بعيد الحدث سوء بالتقصير أو بالتسهيل والمطالبات التي باتت تطلق هنا أو هناك من بعض الأطراف السياسية في الخريطة الباكستانية، لا تعدو كونها عامل إرباك جديد يضاف إلى إرباكات وإرهاصات الوضع القائم الذي بات بحاجة أكثر إلى المزيد من التروي والتريث وعدم إطلاق ما يثير عواطف العامة والغوغاء من تصريحات قد تعيد ما حصل في يوم الاغتيال وما أعقبه من أعمال عنف وتخريب هي بعيدة كل البعد عن متطلبات المرحلة الحالية التي يمربها الشعب الباكستاني ومشروعه الوطني ومتطلبات سلمه الأهلي وعيشه الاجتماعي المشترك.
يعلم الباكستانيون أنهم يمرون نوعاً ما بما يشابه الاحتقان السياسي، وقد أحسنوا صنعاً بما اتخذوه من إجراءات لتخفيف ذاك الاحتقان من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والانتخابات الديمقراطية، ولكنهم يعلمون أيضاً أنه بالرغم من هذا الاحتقان السياسي فإن هناك ما هو أشد منه خطورة وسواداً، ونعني أيادي الإرهاب التي تتربص بالأمن السياسي والاجتماعي في البلاد، وتتحين الفرص من حين لآخر لتنفيذ مخططاتها الإجرامية على أرض الواقع الوطني، مما يحتم على الحريصين على المصلحة الباكستانية بذل المزيد من الجهد للحفاظ على اللحمة الوطنية للشعب والحفاظ على نسيجة الاجتماعي المتجانس من نزعات المذهبية والفئوية التي طالما حلم الإرهابيون بالتسلل من خلالها إلى الكثير من المجتمعات سواء في باكستان أو غيره.
