لا يخفى على أحد أن ارتباط السياسة الخارجية الأمريكية وبشكل مفرط بأمن إسرائيل, والمنافحة عنها ومداراتها قد أصبح عبئاً ثقيلاً ومرهقاً يضاف الى أعباء الكاهل الأمريكي المثقل بهموم الحرب على الإرهاب وكارثية الوضع في العراق وصورة الولايات المتحدة الآخذة بالتردي في العالم. وقد استشعر كثير من المفكرين الأمريكيين ورجال السياسة هذه الإشكالية، ونعني بها ضريبة الارتباط بإسرائيل، وتحدثوا عنها في أكثر من مناسبة حول سياسات الولايات المتحدة في المنطقة ومنطلقات أولوياتها الفكرية والأيديولوجية.
الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي جورج بوش للمنطقة والتي يهدف منها الى تحريك ما جمدته إسرائيل من تحركات السلام تستقبلها عدة تصرفات إسرائيلية جعلت صانع القرار الأمريكي في وضع محرج حيث أوقعته بين مطرقة صلف التطرف الإسرائيلي المعتمد على دعم اللوبي الصهيوني في أمريكا وسندان الضغط الدولي على صورة الولايات المتحدة الأمريكية كراعية للسلام في الشرق الأوسط يفترض بها الحيادية والاتزان. فكما أعقبت إسرائيل مؤتمر أنابوليس للسلام بعدة إجراءات سارعت في ضرب أساسيات وأفكار المؤتمر في مقتل, كالإسراع في إعلان بناء مستوطنات في القدس, أيضاً أعقبت إسرائيل ذلك باعتماد سياسية الاغتيالات والقتل والتصفية الجسدية ضد أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل, في تحدٍ واضح لكل جهود السلام الدولية المبذولة من قبل الأطراف وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية, بل إن التعامل الإسرائيلي مع حلفائها الأمريكان لم يخلُ من شيء من الخبث والتضليل, حيث تواترت الأنباء من تل أبيب أن السلطات الإسرائيلية فاوضت كبار قادة المستوطنين من أجل إخلاء بعض الكانتونات الاستيطانية خلال زيارة الرئيس بوش للمنطقة في بادرة تنم عن خبث ودهاء صانع القرار الإسرائيلي واعتياده على المناورة والتملص وقلب الحقائق حتى مع أقرب الحلفاء له.
ولعل في رفض الرئيس الأمريكي إلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي بعد أن وجهت له الدعوة بذلك خير دليل على كم الحرج الذي بدأت تقع فيه الولايات المتحدة الأمريكية في قضية علاقتها مع إسرائيل التي أصبحت عامل إحراج دولي لواشنطن بتصرفاتها وتلكؤها في متطلبات السلام.
إن أهم ما تتطلبة ضروريات نجاح زيارة الرئيس بوش تتمثل في زيادة الضغط على قادة إسرائيل من أجل تأكيد الحيادية الأمريكية في جهود السلام أولاً، وإعادة المصداقية لها، وثانياً من أجل رفع شعور الاحباط الذي تملك الفلسطينيين وأطلق نزعات التطرف في بعض مكوناتهم كرد طبيعي على تطرف إسرائيل وتعنتها الذي يبدو أنه قد جاوز بكثير قدرات الضبط والربط من قبل الحلفاء في واشنطن.