إذعان الكونغرس الأمريكي لضغوط البيت الأبيض وتخليه عن ربط تمويل العمليات العسكرية بسحب القوات وموافقته على تخصيص 70 مليار دولار للإنفاق على حرب العراق وأفغانستان للعام المقبل وإن كان شأناً أمريكياً داخلياً جاء كنتيجة للمدخلات والمخرجات الخاصة بالسياسة العامة الداخلية الأمريكية، التي لها تركيبتها التشريعية والتنفيذية الخاصة، فإن هذه الانسيابية في التمويل المادي يخشى أن تسهم بشكل أو بآخر في عسكرة القضايا الدولية وتضييق المنافذ أمام الحلول الدبلوماسية للمشاكل السياسية المعاصرة.
ففي العراق أثبت الحل العسكري فشله الواضح في إيقاف اتون نار القلاقل الطائفية بين مكونات الشعب العراقي، بل على العكس كلما أفرط في استخدام القوة العسكرية كان تزايد وتيرة الاحتقان الداخلي بين الفصائل والمذهبيات العراقية، التي بعد أن بعثر الاحتلال مجموعة مكوناتها باتت بحاجة ماسة إلى قناعات المصالحة والتجميع أكثر من حاجتها إلى ميزانيات الحرب والقتال التي كرست مفاهيم الإقصاء وأثارت النزعات الفئوية بين أبناء البلد الواحد، فتسارعت طموحات الانفصال والتشرذم وأصبح الجميع في تسارع مع الزمن للحصول على نصيبه المزعوم من كعكة المحاصصة المقيتة.
وفي أفغانستان حيث يئن المجتمع تحت وطأة ظروف معيشية تكسر ظهر المواطن الأفغاني بواقع الفقر المدقع وغياب أبسط قواعد التنمية الإنسانية والعمرانية، التي أضحى غيابها يحرم الشعب الأفغاني من أبسط متطلبات الحياة الكريمة، تحتاج البلاد التي عانت لعقود من الزمان من ويلات الحرب والدمار إلى المزيد من البذل المادي لأجل إعادة الإعمار وتوفير متطلبات الحياة الأساسية بدلاً من ميزانيات الحرب الضخمة والتي إن كان هناك ما يسوغ لها فإن أيضاً لضروريات التنمية المستقبلية ما يحتم الاهتمام بها وإعطائها أولوياتها في سلم قناعات المهتمين بواقع تلك البلاد.
إن أكثر ما يحتاج إليه الواقع الدولي في هذه الفترة الحرجة وما يمر به من مشكلات ومعضلات دولية معاصرة يتمثل في إرساء أكبر قدر من قناعات الدبلوماسية طويلة النفس في التعامل مع كثير من الأزمات الدولية والابتعاد عن قرارات دق الطبول لإشعال الحرب، التي وللأسف الشديد أصبحت هي المعزوفة الأكثر طرباً لأذان الكثير من صناع القرار الدولي والمتحكمين في حيثياته، ولعل في إرهاصاتها ونتائجها التي برزت في كثير من المناطق التي اتخذت فيها قرارات الحرب خير دليل على أن عسكرة القضايا الدولية واعتماد أساليب الضبط والربط الدولي بها لا تكون دائماً محمودة النتائج ومضمونة النهايات.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244