ضعف الشعر في الجزيرة العربية لعوامل متعددة وقلة الشعراء، فأراد الله أن يعيد للشعر في جزيرة العرب وفي نجد خاصة سموه ورونقه الأصيل على يد الشاعر الكبير محمد بن عثيمين، هذا الشاعر الذي حمل لواء النهضة بالشعر بعد كبوته ومع كل الظروف القاسية التي مر بها من اليتم والفقر والبعد عن الوطن والأهل.
|
ولد الشيخ محمد بن عبدالله بن سعد بن عثيمين ببلدة السلمية إحدى قرى محافظة الخرج العريقة سنة 1270هـ وفيها نشأ عند أخواله ودرس على الشيخ عبدالله بن محمد الخرجي ثم درس على الشيخ سعد بن حمد بن عتيق (بالأفلاج) ثم رحل إلى الخليج، وفي قطر درس على الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع ثم على أحمد الرجباني في عمان. وربطته صلات وثيقة بآل ثاني أمراء قطر، وآل خليفة أمراء البحرين. وفي آل خليفة نظم أقدم شعره الفصيح.
|
وحين فتح الملك عبدالعزيز الأحساء وفد عليه ابن عثيمين ومدحه ببائيته المشهورة. وحين استقرت الأحوال في نجد على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله عاد ابن عثيمين إليها واتخذ من حوطة بني تميم -موطن آبائه- مقرا له تنطلق منه قصائده في الملك عبدالعزيز وابنه سعود فتصله الهبات، وفي سنة 1356هـ هجر ابن عثيمين قول الشعر وأقبل على العبادة إلى أن توفي رحمه الله سنة 1363هـ.
|
لقد حاك ابن عثيمين عصور ازدهار الشعر العربي في العصر الجاهلي وعصر بني العباس، فأصبح يحاكي فحوله فنقل الشعر نقلة كبيرة، وأنت حينما تقرأ شعر ابن عثيمين تجد فيه من فخامة الألفاظ وغريب اللفظ ما يجعلك تتذكر المعلقات لأن ذلك لا يوجد إلا في الشعر الجاهلي وأمثاله.
|
ولعل السبب في ذلك ثقافة الشاعر وعلمه الغزير في الشعر الجاهلي واطلاعه الواسع على الكتب الأدبية وكتب اللغة والمعاجم، وحينما تتمعن الملامح الجمالية في شعره فكأنك تقرأ قصيدة من العصر العباسي، فها هي القصيدة البائية ذائعة الصيت التي قالها في مدح الملك عبدالعزيز بعد فتح الأحساء خير شاهد على هذا الإبداع التي عارض بها أبا تمام في قصيدته في مدح المعتصم بالله بعد فتح عمورية:
|
السيف أصدق أنباء من الكتب |
في حده الحد بين الجد واللعب |
|
العز والمجد في الهندية القضب |
لا في الرسائل والتنميق للخطب |
ذاك الإمام التي كادت عزائمه |
تسمو به فوق هام النسر والقطب |
عبدالعزيز الذي ذلت لسطوته |
شوس الجبابر من عجم ومن عرب |
ليث الليوث أخو الهيجاء مسعرها |
السيد المنجب ابن السادة النجب |
قوم هم زينة الدنيا وبهجتها |
وهم لها عمد ممدودة الطنب |
الله أكبر هذا الفتح قد فتحت |
به من الله أبواب بلا حجب |
هذه الأبيات من أجمل ما مدح به الملك عبدالعزيز رحمه الله.
|
ويقول شاعر الجزيرة محمد بن عثيمين في قصيدة رائعة في مدح الملك عبدالعزيز بعد فتح حائل:
|
منال العلى إلا عليك محرم |
وكل مديح في سواك يذمم |
ولا مجد إلا قد حويت أجلَّه |
ولا فضل إلا أنت فيه المقدم |
ليهنك يا عبدالعزيز بن فيصل |
مغانم تدعى وهي في الأجر مغنم |
إذا شق أمر المسلمين مضلل |
فأنت له الموت الزؤام المحتم |
دلفت له قبل الشروق بفيلق |
أصم الرحى فيه المنايا تقسم |
فأسقيتهم سما زعافا يشوبه |
بأفواههم به الموت صاب وعلقم |
وظنوا بأن الله يخلف وعده |
وهيهات وعد الصادق الوعد أحكم |
أطل عليهم واحد في كماله |
ولكنه في البأس جيش عرمرم |
بفتيان صدق في اللقاء أعزة |
لهم نسب ما شابه قط أعجم |
على ضمَّر بين الوجيه ولاحق |
تعارض ما أبقى الجديل وشدقم |
أولاك بنو الإسلام حي هلا بهم |
وأكرم بهم أكرم بهم حيث يمموا |
لهم عرفوا حق الإله ورسله |
وحق ولاة المسمين وعظموا |
وذاك أمير المسلمين ابن فيصل |
إمام الهدى للمكرمات متمم |
إليك إمام المسلمين تواهقت |
بها ضمّر تطوي المَهَامِهَ عَيهَمُ |
ويقول مخاطبا الإمام عبدالرحمن بن فيصل حين بعث له بعض الهدايا منها (عباءة)
|
كسونتي حلة تبلى محاسنها |
فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا |
أنت ابن من زانت الدنيا مكارمهم |
وأصبحوا مجدهم بين الورى مثلا |
بكم هدى الله ماضينا وآخرنا |
فأنتمُ رحمة نلنا بها الأملا |
يحصي الحصى قبل أن تحصى فضائ |
لكم دنيا ودينا وإحسانا ومنتحلا |
فالله يكسوكمُ نعما ويجعلكم |
ملوكنا ما بدا نجم وما أفلا |
ومن جميل قوله في الغزل في مطلع قصيدة يمدح بها الملك عبدالعزيز:
|
ربع تأبد من شبه المها العين |
وقفت دمعي على أطلاله الجون |
إن الذين برغمي عنه قد رحلوا |
حفظت عهدهم لكن أضاعوني |
ناديتهم والنوى بي عنهم قذف |
نداء ملتهب الأحشاء محزون |
يا غائبين وفي قلبي تصورهم |
ونازحين وذكراهم تناجيني |
مالي وللبرق يشجيني تألقه |
وللصبا بشذاكم لا تداويني |
ليت الرياح التي تجري مسخرة |
تنبيكم ما ألاقيه وتنبيني |
وجد مقيم وصبر ظاعن وهوى |
مشتت وحبيب لا يواتيني |
ومن مدحه في الملك عبدالعزيز: |
عبدالعزيز الذي نالت به شرفا |
بنو نزار وعزت منه قحطان |
مقدم في المعالي ذكره أبدا |
كما يقدم باسم الله عنوان |
ملك تجسد في أثناء بردته |
غيث وليث وإعطاء وحرمان |
خبيئة الله في ذا الوقت أظهرها |
وللمهيمن في تأخيرها شان |
ودعوة وجبت للمسلمين به |
أما ترى عمهم أمن وإيمان |
حاط الرعية من بصرى إلى عدن |
ومن تهامة حتى ارتاح جعلان |
كثيرا ما يوازن الناقد بين ابن عثيمين والبارودي الذي نهض بالشعر العربي في مصر، وقد تكون هذه الموازنة غير متكافئة نسبيا لأن البارودي توفرت له من مصادر الثقافة ما لم يتوفر لابن عثيمين، ففي مصر تتوفر المكتبات والجامعات.. إلخ بخلاف بلاد نجد والخليج آنذاك.
|
ومما يؤسف له أن الشاعر الكبير لم ينل حقه من العناية والاهتمام من الأدباء والنقاد، فلا تكاد تجد مؤلفاً يتحدث عن شعره إلا القليل وشكر الله للدكتور محمد بن سعد بن حسين كتابه الرائع عن الشاعر، فأين النقاد والكتاب خاصة في نجد عن شاعرهم، وحتى ديوانه الذي بذل فيه جامعة الأستاذ سعد بن عبدالعزيز بن رويشد جهدا جبارا في جمعه يشكر عليه لا تجد هذا الديوان في المكتبات التجارية في الرياض، ولا شك أن هذا تقصير في حق الشاعر فمن المسؤول عنه، فلو بحثنا عن ديوان البارودي لا تكاد تخلو مكتبة منه في نجد، حتى إن طلاب كليات اللغة العربية يجهلون الكثير عن ابن عثيمين، ثم أين دارة الملك عبدالعزيز عن هذا الشاعر وهو أحد رجالات الملك عبدالعزيز الذي سطر صفحة بيضاء في مدح الملك المؤسس -رحمه الله تعالى- ثم أين الجنادرية مهرجان الثقافة؟!، بل إن البعض من غير أهل البلد يظنون أن الملك عبدالعزيز رحمه الله لم يمدح إلا بالشعر العامي. كما أننا نتساءل عن وسائل الإعلام وخصوصاً التلفزيون السعودي ألا يستحق هذا الشاعر أن يكون هناك برنامج خاص عن حياته وشعره، لقد عرض التلفزيون برنامجاً يشكر عليه في الأيام الماضية (علماؤنا) لماذا لا يكون هناك برنامج مماثل (شعراؤنا) وتكون البداية مع شاعر نجد الكبير وشاعر الملك عبدالعزيز.
|
هل تجد هذه الدعوة صداها؟!!
|
|
|
(1) الشاعر الكبير محمد بن عبدالله بن عثيمين شعره ونثره/ للدكتور محمد بن سعد بن حسين/ الطبعة الأولى.
|
(2) الشعر في الجزيرة العربية/ للدكتور عبدالله الحامد/ الطبعة الثالثة 1414هـ.
|
|