في كلّ عامٍ يهلّ علينا موسم الحجّ المبارك حاملاً معه رزمة من الدروس والعبر التي تدور في فضاء الأمة الإسلامية وأحوالها العالمية والإنسانية، فلطالما كثر الحديث عن وحدة الأمة الإسلامية وتوحدها تحت راية التوحيد ونبذ كلّ الخلافات والمنغصات بين الأشقاء وإخوة الدين والاعتقاد، نجد موسم الحجّ خير دليل على وحدة المصير بين الشعوب الإسلامية التي تتوافد من كلّ مكان ومن شتى أصقاع الأرض تاركةً خلف ظهرها كل الانتماءات والتصنيفات الحزبية والإيديولوجية، قادمةً لتنضوي تحت راية الإسلام, التي مهما كثرت القناعات السياسية والفكرية تظلّ هي الداعمة الأساسية والأولى للوحدة المرجوة بين الشعوب الإسلامية.. إلا أن أهم الدروس والعبر التي يجب أن يستذكرها الإنسان المسلم والتي يؤكدها الحجّ كجهاد أكبر هو ما ذكرت به الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين إلى المواطنين والحجاج في اليوم الأول من عيد الأضحى المبارك.. إذ ذكرا - حفظهما الله - المسلمين جميعاً بتأكيد عبودية الإنسان لربّه في أجلّ معانيها.. وشددا - رعاهما الله - على أن من أهم العبر والدروس التي يجسدها ويظهرها الحجّ ذلك الوشاج الذي يربط بين المسلمين في لُحمة واحدة، كما أن من مميزات الحجّ وفوائده إظهار شوكة المسلمين وقوتها لعيون الأعداء الذين يتربصون بمصالح الأمّة ويهددون مستقبلها.. ففي كلّ عامٍ تتوافد وفود الحجاج إلى الديار المقدسة ضاربة أروع الأمثلة على مكانة هذه الأماكن في نفوس المسلمين وحرصهم على زيارتها وأداء مناسك الحجّ فيها، مما يعطي مثلاً رائعاً على الدور المحوري والمهم والبناء أيضاً للدين الإسلامي في حياة الفرد المسلم في وقت انتشر فيه الإلحاد وعلمنة الشعوب وتجريدها من القناعات والمعتقدات السماوية، تحت حجج العصرنة والتحديث وغيرها من الادعاءات, ونجد في الحجّ مثالاً رائعاً للمساواة بين الناس في الإسلام، حيث يجتمع الأمراء والفقراء وذوو المال وذوو الفاقة كلّهم أمام ربٍّ غفورٍ رحيمٍ يطلبون غفرانه ويسألونه العفو والسماح من الخطايا والذنوب في ابتهال روحي جماعي قلّ نظيره في عالم اليوم.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244