تحقيق - فهد العجلان
(التضخم) هو الضحية الفعلية للتضخم!! عبارة ليست من ضرب الفلسفة بقدر ما هي تصوير لواقع التعاطي مع هذا الواقع الأليم الذي رسخ في الذهنية الشعبية أن التضخم على الإطلاق مذموم... بينما يؤكد الاقتصاديون أن النمو الاقتصادي والتضخم خطان متوازيان لا بد أن يتجها معاً... لذلك ينبغي على الجدل أن يظل محصوراً في المعدل المقبول أو المستهدف من التضخم...
* توجهت إلى الدكتور سالم القظيع وهو المستشار السابق في مؤسسة النقد العربي السعودي سائلاً: أليس التضخم ظاهرة طبيعية وحالة تنتاب الاقتصاد حين يمر بمرحلة من الازدهار تنعكس على مستوى الوفرة المالية لجزئياته المختلفة الحكومة والقطاع الخاص والأفراد.. فإذا كان الأمر كذلك فكيف يتجاوز التضخم حدوده المقبولة ولماذا؟
- قال الدكتور القظيع: نعم -كما ذكرت- يتجاوز التضخم الحدود الطبيعية عندما لا يستطيع النشاط الاقتصادي مواكبة هذه الوفرة المالية وعليه فإن النتيجة الحتمية تكمن في (تفاقم الأسعار) بحيث تصل إلى مستويات تجعل من هذه الوفورات المالية قليلة الفائدة. فالتضخم عندما يزيد عن المستويات المقبولة يتحول إلى أحد أشرس الأمراض الاقتصادية التي تنهش الجسد الاقتصادي من خلال تأثيره المباشر على تكاليف إنتاج السلع والخدمات من جهة، إضافة إلى عمله كآفة تهاجم دخول الأفراد فتضعف من قدرتهم الشرائية.
اختلال الميزان
* سألت الدكتور سالم: يبدو الأمر لي كعربتين تسيران بجانب بعضهما فإن تخطت إحداهما الأخرى اختل الميزان أعني التضخم والنمو الاقتصادي؟
- أجاب د. القظيع: بالضبط كما وصفت ولحماية الاقتصاد وهو الطريق من تجاوز عربة التضخم، تنزع الحكومات إلى تكليف عدد من مؤسساتها بمسؤولية التأكد من استقرار الأسعار ومنحها الصلاحيات لاتخاذ السياسات والتدابير اللازمة لكبح التضخم قبل ظهوره والتعاطي الدائم معه لضمان استقرار الأسعار.
ووفق هذا المنهج يصبح معدل التضخم معياراً لقياس أداء هذه الأجهزة الحكومية، كل حسب حجم الدور المنوط به. فإذا تحقق استقرار الأسعار فإن هذا يعد مؤشر أداء جيد لهذه المؤسسات إجمالاً. أما في حالة تفاقم إشكاليات التضخم، فإن هذا الأمر يضع الأجهزة في دائرة التقصير بأداء دورها في حماية الاقتصاد من التضخم.
* استوقفت الدكتور القظيع عن هذه النقطة متسائلاً: إذا كان لكل جهة دور ويمكن تحديد حدود هذه المسؤولية فسيكون من السهل تحديد مواطن القصور في أداء تلك المؤسسات فيا ترى ما هي الأجهزة الحكومية في المملكة المناط بها حماية الاقتصاد السعودي من هذه الآفة، وهل قصرت في أداء مهامها أم أن الأمر كان خارجاً عن نطاق سيطرتها؟
- نظر إلي الدكتور سالم القظيع قائلاً: في حالة المملكة هناك عدد من الجهات تتشارك في هذه المسؤولية، وبالتالي فليس بالإمكان تحميل جهة بعينها أسباب نشوء هذا المرض إلا إذا ثبت أنها فعلاً الجهة الوحيدة التي أخفقت في أداء دورها في حماية الاقتصاد من فيروس التضخم.
غير أنه لا بد من التنويه إلى أن اشتراك هذه الجهات في المسؤولية لا يعني أن المسؤولية موزعة بالتساوي، فالمسؤولية تختلف وفقاً لحجم الدور وتأثيراته على هيكل الأسعار.
حدود المسؤولية
وأكمل الدكتور سالم: دعني استعرض الجهات التي ذكرت وحدود مسؤولياتها فيما يتعلق بموضوع التضخم:
1- مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات: ويتمثل نطاق مسؤولية المصلحة فيما يلي:
- قياس مؤشر التضخم. والمصلحة وفقاً لهذا الدور تعمل كما (الممرضة) التي تحمل مقياساً للحرارة فإذا استخدمت مقياساً خاطئاً لمعرفة درجة حرارة المريض فالنتيجة ستكون قراءة خاطئة. وهذا الأمر يجعل من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات خط الدفاع الأول أمام التضخم!!
- وضع المقاييس اللازمة للتوقعات التضخمية وليس فقط نشر البيانات التاريخية للتضخم. فهي بهذه الوسيلة ترسل إشارات تحذير لزملائها في الأجهزة الأخرى لضرورة الاستعداد لمواجهة التضخم.
- تقدم المؤشرات الكافية للتضخم بما يساعد الجهات الأخرى على تحليل جذور التضخم وبما يساهم بالقيام بأدوارها وفق نطاق مسؤوليتها.
استقرار الأسعار
2- مؤسسة النقد العربي السعودي: ويتمثل نطاق مسؤولية المؤسسة بما يلي:
- تقوم مؤسسة النقد بمهام السياسة النقدية التي تستهدف عادة اتخاذ التدابير اللازمة لضمان استقرار الأسعار من خلال ما يلي:
* استخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة للتحكم في حجم السيولة في الاقتصاد والقادمة من النظام المصرفي.
* العمل على استقرار سعر صرف الريال بما يساهم في استقرار الأسعار المحلية.
* تطوير البيئة المصرفية لتساهم في توفير الخدمات المصرفية القادرة على التقليل من تأثيرات تقلبات أسعار الصرف على المستوردين المحليين (كخدمات التحوط لمخاطر أسعار الصرف).
3- وزارة المالية وصناديق الإقراض المتخصصة: ويتمثل نطاق مسؤولية وزارة المالية بما يلي:
- يعتمد الاقتصاد السعودي بشكل محوري على الإنفاق الحكومي المباشر (سواء الإنفاق الاستثماري أو التنموي) من خلال إنفاق الصناديق الحكومية المتخصصة. وكون وزارة المالية هي الجهة المنوط بها إدارة السياسة المالية للاقتصاد الوطني فإن دورها يكمن في توجيه الإنفاق الحكومي بحيث لا يتسبب في اختناق السيولة في قطاعات دون أخرى وبما يتوافق واحتياجات الطاقة الاستيعابية للاقتصاد السعودي.
- التقليل من الأعباء الإدارية للاستيراد بما يقلل من تكاليف إنتاج السلع والخدمات.
الغش التجاري
4- وزارة التجارة: ويتمثل الدور الرقابي لوزارة التجارة بما يلي:
- التأكد من عدالة تسعير السلع والخدمات من خلال الرقابة المباشرة على الأسعار على كافة المستويات (تجار الجملة، وتجار التجزئة)، وذلك من خلال ما يلي:
* توجيه الموارد البشرية والتقنية اللازمة لتوسيع نطاقها الرقابي المباشر على الأسعار.
* التنسيق مع الجهات الأخرى لتفعيل عقوبات الغش التجاري.
5- الجهات الحكومية الإشرافية: يخضع كل قطاع تقريباً في المملكة لإشراف جهة حكومية بحيث تشرف على معاملات هذا القطاع. فمثلاً تقوم وزارة الصحة بالإشراف على القطاع الصحي الخاص، وبالتالي فإن من ضمن مسؤولياتها التأكد من عدالة تسعير الخدمات الصحية. وهذا الأمر يسري على القطاعات الحكومية الأخرى.
6- الأسباب الخارجة عن إرادة السياسة المحلية: نتيجة انفتاح الاقتصاد السعودي على العالم الخارجي، فإن المعاملات التجارية قد تتأثر بعوامل خارجة عن إرادة السياسة الاقتصادية والتجارية للمملكة، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى تأثيرات مباشرة على هيكل الأسعار المحلية.
وهذه العوامل قد تكون اقتصادية أو سياسية أو مناخية، ومنها على سبيل المثال ما يلي:
- ارتفاع وتيرة التضخم العالمي لأسباب تعود لعوامل السوق والإنتاج في بعض دول العالم.
- تأثيرات ارتفاع أسعار النفط على تكاليف الإنتاج للسلع غير النفطية في الاقتصاد العالمي (وهذا يرفع من تكلفة واردات المملكة).
- المتغيرات الاقتصادية والسياسية الأخرى
***
الجهة نطاق المسؤولية
مصلحة الإحصاءات العامة 1- احتساب التضخم ونشره للعموم بشكل دوري
2- تحليل مصادر ارتفاع الأسعار
3- بناء التوقعات والتنبيه في حال ظهور بوادر ارتفاع معدل التضخم
وزارة المالية 1- توجيه الإنفاق الحكومي بحيث لا يتسبب في اختناق السيولة في قطاعات دون غيرها
2- التقليل من الأعباء الإدارية للاستيراد بما يقلل من تكاليف إنتاج السلع والخدمات
مؤسسة النقد العربي السعودي 1- استخدام أدوات السياسة النقدية المتاحة للتحكم في حجم السيولة في الاقتصاد والقادمة من النظام المصرفي
2- العمل على استقرار سعر صرف الريال بما يساهم في استقرار الأسعار المحلية
3- تطوير البيئة المصرفية لتساهم في توفير الخدمات المصرفية القادرة على التقليل من تأثيرات تقلبات أسعار الصرف على المستوردين المحليين (كخدمات التحوط لمخاطر أسعار الصرف)
وزارة التجارة 1- الرقابة على الأسعار للتأكد من عدم وجود تجاوزات من قبل التجار
2- التنسيق مع الجهات الأخرى لتفعيل عقوبات الغش التجاري
الجهات الحكومية الإشرافية 1- التأكد من عدالة تسعير الخدمات في القطاعات المشرفة عليها
أسباب خارجة عن إرادة المحلية 1- ارتفاع وتيرة التضخم العالمي لأسباب تعود لعوامل السوق والإنتاج في بعض دول العالم
2- تأثيرات ارتفاع أسعار النفط على تكاليف الإنتاج للسلع غير النفطية في الاقتصاد العالمي
3- المتغيرات الاقتصادية والسياسية الأخرى