Al Jazirah NewsPaper Tuesday  18/12/2007 G Issue 12864
الاقتصادية
الثلاثاء 09 ذو الحجة 1428   العدد  12864
بركة الراعي في بر الرعية
فضل سعد البوعينين

عندما كتبت عن التضخم وارتفاع الأسعار، أكثر من مرة، في هذه الزاوية، وطرحت بعض الحلول التي منها دعم السلع الأساسية الأكثر ارتفاعاً في الأسواق تلقيت ردوداً من بعض أساتذتنا الاقتصاديين معترضين على المطالبة بإعادة الدعم الذي أصبح من المحظورات في أنظمة التجارة العالمية. البعض منهم كان متشبثاً بقوانين الاقتصاد الحر، متناسياً حاجة البلاد والعباد إلى تطبيق قوانين الرحمة التي يفترض أن تتقدم على قوانين الغرب الوضعية.

بعض المختصين ممن أنعم الله عليهم بفضله، حتى كفاهم مراقبة الأسعار والخوف من ارتفاعها، اجتهدوا إعلامياً في سوق الحجج والبراهين المعارضة لسياسة دعم السلع الأساسية على أساس أن الدعم يمكن أن يؤثر سلباً على ميزانية الدولة، ويساعد في بقاء الطلب على السلع عند مستوياته الاعتيادية مما يعني ثبات الأسعار مع إمكانية ارتفاعها مستقبلاً.

هناك من يجتهد في مطالبتنا بالالتزام بأنظمة التجارة العالمية وقوانين (الأغنياء) ويتناسى تعاليم الدين الإسلامي الداعية إلى الرحمة، والتكافل ومساعدة الملهوف، ومسؤولية الدولة حيال رعاياها، الفقراء على وجه الخصوص.

أنظمة التجارة الوضعية التي جاءت لتدعم مصالح الدول الصناعية وأغنياء العالم لا ترقى أبداً إلى الحدود الربانية التي يحرم تعطيلها، أو استبدالها بالقوانين الوضعية.

لقد عطل الخليفة الراشد سيدنا عمر بن الخطاب حد السرقة في (عام الرمادة) بعد أن عم الجدب والقحط المدينة المنورة وما حولها من بلاد المسلمين. مجاعة الرعية قادت الإمام الزاهد العابد إلى تعطيل حد من حدود الله مع إيمانه التام به وبوجوب إقامته. هكذا يتصرف ولاة الأمر الأتقياء، تجاه الرعية التي أوكل الله لهم رعايتها في الأزمات.

وأحسب أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يتأسى بسنّة رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، والصحابة من بعده في علاقته بالرعية، ويجعل من خدمتهم، وبرهم والرفق بهم هدفاً لا يحيد عنه وإن تعارض ذلك الرفق، والبر مع قوانين الاقتصاد، ونصائح الخبراء!!. ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به)؛ كثير من القرارات الإنسانية التي أصدرها الملك عبدالله كانت تصب في مصلحة المواطن، وإن خالفت قوانين الاقتصاد الحر وأنظمة السوق. يمكن تصنيفها في باب الرفق بالرعية والحرص على تخفيف أعباءهم الحياتية.

قرار دعم الأرز المستورد، وزيادة إعانة حليب الأطفال هو أحد القرارات الإنسانية التي تجاوز فيها الملك قوانين الاقتصاد الحر من أجل تحقيق مصلحة المواطنين. يهتم الاقتصاديون كثيراً في قراءة الآثار المادية المباشرة الناتجة عن القرارات الاقتصادية، ويتناسون الآثار الربانية التي يجريها الله على أعمال الخير التي يُراد بها وجهه، سبحانه وتعالى.

الاقتصاديون الغربيون ينظرون إلى استقطاع الزكاة السنوية من رأس المال على أنها إنقاص له، ويقارنونها بالضريبة المباشرة، في الوقت الذي ينظر لها المسلم على أنها خير وبركة على المال، ونماء له بإذن الله اعتماداً على قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (ما نقصت صدقة من مال بل تزده بل تزده)، وكذلك الإنفاق في سبيل الله، وفيه يقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. فالله سبحانه وتعالى يبسط الرزق لعبادة، ويأمرهم بالإنفاق منه، ويعدهم بخلفه، وهو خير الرازقين. على هذا الهدي يجب أن ننظر إلى أمور الرعية، بعيدا عن قوانين الاقتصاد الحر ففي كتاب الله وسنة نبيه الكريم ما يغنينا عن عقول جهابذة الاقتصاد ونصائحهم الدنيوية التي لا ترقى إلى استشعار البركة، ومعرفة أثرها المباشر على العباد، والأموال وكل ما يتصل بحياة الإنسان.

أتذكر دائماً مطالبة أحد الأخيار بالدعوة له بالبركة بدلاً من المال الكثير، فالبركة تجعل من القليل كثيراً، بأمر الله سبحانه وتعالى، أما كثرة المال من دون البركة فهي مدعاة لذهابه وعدم انتفاع أصحابه به. ما يحدث لنا في هذه الأيام ما هو إلا جزء من بركة الله سبحانه وتعالى وتفضله على هذه البلاد بالخير الوفير، وامتحان لنا فيه، فإن أحسنا أحسن الله لنا وإن أسأنا منع الله عنا عطاءه بذنوبنا، أعاذنا الله من ذلك.

البذل في سبيل الله على اليتامى والمساكين، والتيسير على الرعية هو جزء من الإنفاق في سبيل الله، ومدعاة لحصول البركة، ونماء الموارد، قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}. ويقول الله في وصف المنفقين:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. فهل هناك أعظم بركة ونماء في الدنيا والآخرة من الإنفاق في سبيل الله، خاصة من الراعي على فقراء رعيته ومساكينهم؟.

بركة الراعي تكمن في بر الرعية والتيسير عليهم فيما يرضي الله ورسوله. وأحسب أن عبدالله بن عبدالعزيز، ملتزم بتعاليم الله، مقتدياً بسنّة رسوله الكريم ومتأسيا بفعل الصحابة الكرام في بر الرعية ومتابعة احتياجاتهم وتقديمهم على نفسه في كثير من المناسبات، ولا نزكيه على الله.. القرارات الإنسانية لا يمكن أن تصدر إلا من أصحاب القلوب الرحيمة التي قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، والرحمة نعمة من نعم الله يضعها في قلوب عباده الصالحين، ويجعلها مدعاة لرحمته يتحقق بها عفوه وكرمه، فالله نسأل أن يرحم عبده عبدالله بن عبدالعزيز على رحمته عباده، ونرجو الراعي أن يزيد في بره وعطائه لفقراء رعيته ومساكينهم طمعا منا في زيادة أجره ومثوبته وبركته التي فاضت خيرا على البلاد، بأمر الله وعطائه، وأكدت أن (بركة الراعي في بر الرعية).

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد