العلم الكئيب غلطة أو مغامرة أو بالأصح خطيئة اقترفها اقتصادي (مالتس) فألقت بظلالها على كامل العلم وأهله لتصبح صفة لصيقة لا يكاد الاقتصاد يذكر ألا وتذكر معه!! الكآبة لم نشأ أن تتسرب إلى هذا التحقيق الذي لا نعذر باستهداف الوعي فيه بأن لا ننزله من غيوم النظريات وناطحات أفكارها إلى حيث الراكضون في الشوارع والذين يحركون بأعمالهم وأحلامهم عجلة الاقتصاد ويدفعونها إلى الأمام وأولئك هم الناس أو جانب الطلب بلغة الاقتصاد!! حاولت أن أخرج إلى ميادين الناس حيث مصارعة التضخم بالاختيار أو الانكسار أمامه بالاضطرار وأن أتحدث إليهم دون نظريات!!
أبو أحمد والذي كان يتسوق في أحد مراكز التسوق الكبرى تقدم إلي بعد أن بدأت الحديث معه حول الأسعار شاكيا الغلاء وعدم منطقية التسعير!! استوقفتني كثيرا مفردة الغلاء باعتبارها مصطلحا يحمل ضمنيا معنى أن السلعة مقدرة بأعلى من قيمتها!! تعمدت أن أسأله عن التضخم وحين عرفت بنفسي على أني صحفي بدا لي غير مهتم ولم يزد على أن قال بلهجة شعبية أسفه (كنت أحسبك مدير المركز!!) حين طلبت منه إتمام الحديث قال لي وبكل ألم (التضخم عبارة أنتم اخترعتموها - يقصد الصحافة - فكونا من شركم وشرها!!) شعرت بل تسرب إلى نفسي الشك بأن الطرح الإعلامي المتواصل على وترها قد يكون ساهم في تأزيم الموقف وتعقيد ترتيب المقدمات وضياع النتائج في فهم ظاهرة أصبحت تشارك الناس بيوتهم كقطعة أثاث تلتهم البيت ومن فيه!! لم يسعني الحديث طويلا مع أبو أحمد والذي رفض ذكر اسمه واكتفى بدعابة قبل أن يشيح بوجهه عني معلنا تغيير كنيته من أبي أحمد إلى أبي أيوب تعبيرا عن صبره على ارتفاع الأسعار!! سيدة كانت تتجول في مركز التسوق مع عدد من أطفالها لا يكاد أحدهم يلتقط من بين الرفوف علبة تغريه حتى تصيح في وجهه (ما معي فلوس!!)
بائع حين سألته عن ردة فعل المشترين على الأسعار المرتفعة قال لي: إن إدارة المركز عقدت لهم دورة قصيرة لتعرف على ملابسات ارتفاع الأسعار وامتصاص غضب العملاء بإجابات مقنعة.. لكنه لم ينفي عدم قناعته ببعض المبررات واتفاقه مع العملاء في بعض الانتقادات وتحميله المسؤولية لإدارة السوق لينفد بجلده من سهام اللوم المتكررة!!
لم نستطع أن نقرأ في عيون المستهلكين في أكثر من مركز تسوق حول ظاهرة التضخم سوى عبارة واحدة يجمعون عليها في مواجهة التجار وتبريراتهم: كلكم يبكي فمن سرق المصحف!!
