د. حسن أمين الشقطي*
فاجأ مؤشر سوق الأسهم هذا الأسبوع جميع المتداولين والمراقبين بصعوده القوي الجديد بنسبة 11.4%، واختراقه لمستوى الـ11 ألف نقطة بسهولة كبيرة.. فرغم أن أحلام المضاربين لم تكن تزيد عن الانتقال إلى مستوى الـ 10 آلاف نقطة.. قفز المؤشر سريعاً يوم الثلاثاء إلى 10799 ثم يوم الأربعاء إلى 11023 نقطة.. ويذكرنا هذا الصعود بمسار السوق في شهري يناير وفبراير من عام 2006 عندما كان المؤشر يربح مئات النقاط يومياً.. ورغم أن السوق يمتلك محفزات إيجابية قوية ورغم حالة التفاؤل غير المسبوقة، إلا إنه لم يكن في الحسبان صعود المؤشر بمثل هذه القوة والسرعة.. فما بين تفعيل السوق الخليجية المشتركة وبين ضخامة فائض الميزانية، وبين دعم السلع الأساسية في السوق، وبين تعزيز سيولة الصناديق الحكومية، واستمرار دخول صناديق استثمارية جديدة.. ومع كل هذه المحفزات هل كان متوقعاً الصعود بهذه القوة والسرعة؟ وإلى أين يسير المؤشر؟ وإذا صعد إلى مستويات أعلى من ذلك.. فما هو مصير المستثمرين فيه؟ هل إلى تعويض خسائرهم أم إلى تصحيح أقوى من سابقه أم أن قيمة المؤشر ستتلاشى ذاتياً في ظل استبعاد الحصص غير المتداولة؟.. وهل المؤشر متجه فعلاً إلى ما فوق الـ20 ألف نقطة كما يعتقد البعض؟، بل هل التحليل الفني قادر على التنبؤ بقيمة المؤشر في إبريل المقبل؟ ومن جانب آخر، فقد لوحظ أن الزخم وقوة الصعود جاءت وحدثت في الأسهم الاستثمارية الكبرى (بالتحديد سابك والراجحي وسامبا والكهرباء باستثناء الاتصالات) دون أسهم المضاربات التي اعتاد عليها السوق.. فلماذا وما هي مدلولات ذلك؟ إننا نسعى لإيجاد تفسير منطقي للصعود السريع للمؤشر وللأسهم الاستثمارية القيادية.. وذلك للاستفادة في بناء سياسة استثمارية صحيحة ومجدية لصغار المتداولين خلال الأيام المقبلة.
السوق يربح 1131 نقطة
في خمسة أيام
رغم أن بداية التداول هذا الأسبوع كانت منطقية، حيث ربح المؤشر 216.5 نقطة يوم السبت، ثم تراجع وخسر حوالي 77 نقطة يوم الأحد. ثم عاود الصعود يوم الاثنين ليربح 250 نقطة.. حتى هنا كان الأمر منطقياً ومتوقعاً.. إلا إنه بدأ يسير بوتيرة أعلى وأسرع بداية من الثلاثاء، عندما كسب 518 نقطة، تلاه الأربعاء بربح 223 نقطة.. لتصل أرباحه خلال الأسبوع إلى 1131 نقطة أو ما يعادل 11.4%.
اختراق المؤشر لحاجز 11 ألفاً كان أسهل من اختراقه الـ 8 آلاف نقطة!!
من الأمور الملاحظة أن المؤشر أصبح يخترق كل مستوى ألفي جديد بشكل أسهل عن المستوى الذي قبله.. إذ اخترق مستوى الـ8000 بصعوبة خلال 19 يوماً، ثم اخترق الـ 9000 خلال 14 يوماً، ثم اخترق الـ10 آلاف خلال 22 يوماً، ولكنه اخترق (أو قفز) الـ11 ألفاً خلال فترة لم تتجاوز أربعة أيام تقريباً.. أيضاً من الملفت للنظر انتقال مستوى السيولة المتداولة من الـ 12.4 مليار ريال في نهاية الأسبوع الماضي إلى 17.1 ملياراً يوم الثلاثاء، ثم قفزت إلى 18.8 ملياراً يوم الأربعاء.. هل هناك سيولة استثمارية جديدة دخلت السوق؟.. وما هو مصدرها؟ وما هو المحفز لتحركها المثير بهذا الشكل؟.
محفزات السوق
بلا شك إن السوق يمتلك اليوم محفزات قوية وجديدة ومتجددة أكثر من أي يوم مضى. وأول هذه المحفزات قرار تفعيل السوق الخليجية المشتركة والتي من المتوقع أن تقود إلى تحفيز المستثمرين الخليجيين على الدخول الفعلي لسوق الأسهم، ودخولهم سيكون للقطاعات الاستثمارية بلاشك. ثم إن ميزانية المملكة للعام الجديد التي أعُلنت منذ أيام قليلة تعتبر محفزاً قوياً وبخاصة أنها انطوت على فائض كبير، كما أنها أضافت مزيداً من الثقة في الاقتصاد الوطني بإعلانها عن تسديد 100 مليار ريال جديدة من الدين الداخلي الذي يتوقع أن تنخفض نسبته في الناتج من 28% في نهاية 2006 إلى 19% في العام الحالي.
إن تسديد هذا الدين سيعزز ميزانيات البنوك التي شهدت أسهمها إقبالاً سوقياً كبيراً. من جانب ثالث، فإن الدعم المقدم لسلعتي الأرز والحليب يتوقع أن يخلق فائضاً مالياً لدى كافة المواطنين بمقدار يعادل الربع من حجم المنفق على هاتين السلعتين الأساسيتين في ميزانية كل أسرة. بجانب ذلك، فقد انضمت ثلاثة صناديق استثمارية جديدة إلى شريحة المستثمرين في السوق.. ورغم القناعة بمدى أهمية هذه المحفزات.. إلا إنها لا تعتبر مفسرة بشكل كلي للصعود القوي والسريع للمؤشر بنحو 11% خلال خمسة أيام فقط.. لابد من وجود محفز آخر أكثر أهمية وأشد قوة بشكل أثار المضاربين والمستثمرين معاً في السوق.
المحفز الرئيس
قالوا سيولة جديدة.. وقالوا تبادل أدوار.. وقالوا صعود بعد هبوط طويل.. ولكن لم ينتبه الكثيرون للقرار الذي أعلنت عنه هيئة السوق هذا الأسبوع، وهو تحديد موعد بدء الهيكل الجديد في الخامس من إبريل المقبل.. الجميع تقريباً كان يتوقع أن يتم تفعيل هذا الهيكل بعد عيد الأضحى مباشرة.. ومن ثم فقد كانت التوقعات حول المسار الصاعد ترتبط بتاريخ تفعيل هذا الهيكل.. تحت اعتبار أن إطلاق هذا الهيكل سينهي المسار الصاعد الحالي نتيجة انتهاء عصر مؤشر الحصص الحكومية، وبدء عصر مؤشر حصص المستثمرين فقط. ولكن تأجيل هذا الهيكل لمدة 115 يوما تقريبا، يعتبر نوعاً من إمهال المؤشر للصعود خلال كل هذه الفترة.
استبعاد حصص الدولة والمؤسسين.. الحافز الأكثر تأثيراً على المؤشر
قد يسأل سائل ما هو دور هذا في ذاك؟ إن سوق الأسهم يمتلك تعقيداً وتداخلاً غير طبيعي، ولكي تستطيع قراءته بدقة، لابد أن تتطلع على الصورة من الخارج.. من المعتقد أن يكون التوجه الذي يتم الآن على قدم وساق باستبعاد الحصص غير المتداولة أحد أهم محفزات صناع السوق على تجاوز المسار الصاعد فوق الـ 11 ألف نقطة، وربما يصعد بالمؤشر بسهولة إلى 13 ألفاً قريباً وربما إلى أعلى منها.
صعود قوي للأسهم الاستثمارية الكبرى وركود غير مسبوق لأسهم المضاربات!
من الأمور التي يصعب تفسيرها أن الصعود القوي للمؤشر الآن هو بقيادة أكبر أربعة أسهم استثمارية بالسوق. بل إن ربحية هذه الأربعة تجاوزت كل التوقعات، حيث ربحت سابك هذا الأسبوع 20 ريالاً رغم أن سعرها (192 ريالاً). كما ربح الراجحي 21 ريالاً ووصل إلى 128، في حين ربحت سامبا 36 ريالاً ووصلت إلى 192، وربحت الكهرباء ريالاً تقريباً ووصلت إلى 15.75. بل إن الأمر يتجاوز مجرد هذا الربح المطلق إلى أن كافة هذه الأسهم قد تجاوزت الحدود العادلة المرصودة لها، فسابك وصلت إلى 192 ريال رغم أن هناك تقارير مالية رصدت سعرها العادل عند 155 ريالاً فقط.. ونذكر بأن السوق يسير الآن بلا أي نوع من الاستفسارات.. تلك التي كانت تصدر من هيئة السوق عندما يصعد أي سهم بنسب مرتفعة ليوم أو يومين على التوالي.. بل إن الأمر المؤكد أن كافة الضغوط الكثيفة التي كانت تشهدها الأسهم الاستثمارية الكبيرة أصبحت الآن غير موجودة.. بل تحولت إلى تحفيز من جانب محافظ استثمارية كبيرة.. في المقابل تشهد أسهم المضاربات الصغيرة التي لطالما اعتدنا على أنها تمثل رأس الحربة في تداولات السوق، تشهد ركوداً كبيراً وطويلا.. فلا طلب ولا مضاربات ولكن ركود وجمود وتراجع.. أين مبرد وأين ثمار وأين الباحة وأين تهامة وأين شمس.. جميعها سجلت خسائر في فورة صعود المؤشر هذا الأسبوع.. فهل تغيرت شهية المضاربين؟ وما هي أسباب هذا التغير؟
التخصيص وسوق الأسهم
ما هو الحافز الذي يقود الأسهم الاستثمارية الكبرى في السوق؟ لا يوجد تفسير سوى أن الصناع جميعاً يتفقون على تصعيد هذه الأسهم بكافة السبل لاستبعاد أو تجميد أو التخلص وبيع حصصهم فيها بأعلى قيمة ممكنة.. إن تفسير الصعود القوي يأتي من سياسة التخصيص.. ولعل ذلك ما يفسر السؤال: لماذا لم يشهد سهم الاتصالات ذلك الزخم والصعود الذي تشهده أخواتها الأربعة الكبرى؟ وكلنا نعلم أن قوة الدفع الحقيقي في السوق تأتي من هذه الأربعة الكبرى، وهذا الدفع إنما يرتبط بعلاقة تبادلية مع المؤشر.. فصعود هذه الأربعة يقود إلى صعود المؤشر، وصعوده يقود إلى مزيد من صعود الأربعة، وهكذا تستمر العلاقة التبادلية.. ولكن إلى متى؟ وماذا بعدها؟.
المؤشر... توقعات بتجاوز مستوى الـ 13 ألفاً قريباً
إن تجارب الماضي تؤكد أن اختراق الـ 11.000 إلى الـ 13 يعتبر سهلاً وليناً، وربما لا نشعر به.. إذ إن تساؤلات عديدة هي التي تحدد لنا مقدار وحدود صعود المؤشر... البعض يسعى للتنبؤ بالصعود فنياً.. ولكننا نؤكد أن الأمر لا علاقة له بالأمور الفنية الآن.. إن الأمر يرتبط بأمور أكثر أهمية، مثل: كيف سيتم التعامل مع الحصص المستبعدة؟ وبخاصة حصص الدولة؟.. هل ستباع؟ كيف سيتم التعامل مع حصص المؤسسين؟ هل سيتجه المؤسسون للبيع؟.. البعض يقول طالما المؤشر يصعد فإن هناك شراءً طويلاً وكثيفاً فقط.. ولكن ذلك ليس صحيحاً على الدوام.. ففي حالات معينة يحدث شراء طويل من القطاع، وفي ذات الوقت يحدث بيع كثيف بالتوازي من الصناع وكبار المستثمرين، إلا إن الشراء يغطي ويفيض على بيع الصناع، وبالتالي تكون محصلة المؤشر صعوداً صافياً.. ولكن إلى متى يمكن أن يستمر صعود المؤشر الحالي؟.. إن ذلك يرتبط جوهرياً بتاريخين، الأول تاريخ انتهاء الصناع من ترتيب حصصهم التي يفترض أنها ستستبعد، وتاريخ بدء الهيكل الجديد في 5 إبريل المقبل.. أيهما أقرب.
سيناريوهات ما بعد الصعود
عادت تكهنات الصعود المبالغ فيه للعودة من جديد، كان آخرها توقع الوصول إلى 36 ألف نقطة.. طبعاً هذا التكهن غير وارد.. ليس لشيء سوى لأن المؤشر الحالي سيتغير كلية في إبريل المقبل.. ولكن خلال الشهرين ونصف المقبلين ما هي أقصى نقطة يمكن أن يصل إليها المؤشر؟ وماذا يتوقع أن يحدث بعدها؟ يوجد سيناريوهان:
الأول , الصعود المعتدل بما لا يتجاوز الـ 13 ألف نقطة، ثم تلاشي ثلث قيمة المؤشر ذاتياً في إبريل المقبل نتيجة استبعاد حصص الدولة والمؤسسين.. يظل بعدها المؤشر يدور في فلك الـ 9000 نقطة، وهو مستوى مقبول بلا مشكلة.
أما الثاني فهو الصعود المبالغ فيه إلى ما فوق الـ13 ألف نقطة، ثم تلاشي ما يعادل ثلث قيمته ذاتياً في إبريل المقبل.. ثم دخول المؤشر في تصحيح قاسٍ للنزول إلى ما تحت الـ10 آلاف نقطة. وتزداد قسوة التصحيح كلما ارتفعت القمة التي يصل إليها المؤشر في صعوده.
احتمال انحسار الزخم خلال الثلاثة أيام المقبلة
يحتمل أن يحدث بعض الانحسار في الزخم في تداولات الأيام الثلاثة المقبلة نتيجة مساعي نسبة هامة من المتداولين لاستيفاء النفقة النقدية لعيد الأضحى، إلا إن هذا الانحسار يتوقع أن يتلاشى بعد إجازة العيد ليعود إلى زخم الصعود من جديد.
(*) محلل اقتصادي
hassan14369@hotmail.com