شهدت مدينة الرياض الأسبوع الماضي انعقاد الدورة الثالثة لمنتدى الرياض الاقتصادي. هذا المنتدى الذي قام على تأسيسه وتنظيمه القطاع الخاص ممثلاً بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض كأحد أساليب التأثير في القرارات من الإدارة الاقتصادية.
ومن أبرز محاور هذه التظاهرة محور بعنوان (تطوير إدارة الفوائض المالية وأساليب توظيفها).
وفقاً لحيثيات هذا المحور والنقاش الذي دار حوله، تتمحور وجهة نظر القطاع الخاص (باختصار) حول أن المملكة تنعم بفوائض مالية كبيرة استثنائية خلال هذه الفترة، ويجب توجيه هذه الفوائض إلى استثمارات ذات عوائد أعلى من العوائد التي تجنيها الاستثمارات الحالية للدولة التي قدرت بحوالي 5% كحد أقصى. كما تعتقد وجهة نظر القطاع الخاص إلى أن مؤسسات الدولة القائمة على إدارة هذه الفوائض ليس لديها التأهيل الكافي، حيث يرى ضرورة (إعادة النظر في الجهات العامة المكلفة حالياً بتوظيف هذه الفوائض وتقييمها وهيكلة مهامها) وهي (مؤسسة النقد) و(صندوق الاستثمارات العامة)، مع ضرورة أن يكون القطاع الخاص الوطني (شريكاً) في التخطيط لاستثمار هذه الفوائض.
في الطرف المقابل، يأتي (تكتل الإدارة الاقتصادية) في المملكة ممثلاً (بوزارة المالية) التي كما يبدو أنها لا ترى جديداً في فلسفة القطاع الخاص، حيث تعتقد أن هذا الأمر يأتي في صميم منهج الحكومة في استثمار الفوائض المالية، وأن الإدارة الاقتصادية تعي واجباتها وتقوم باستغلال هذه الفوائض استغلالاً أمثلاً وفق (خطة مدروسة) تستهدف تحسين البنية الأساسية للاقتصاد الوطني، وتطوير منظومة التعليم، وتعزيز استثمارات الشركات الوطنية كسابك وشركة الاتصالات السعودية بما يخدم التوسع الاستثماري طويل الأجل.
في الحقيقة، لم أجد خلافاً جوهرياً بين الطرفين بالرغم من (الملاسنة اللطيفة) التي أتت نتيجة (الأريحية) ومستوى الشفافية الجيد الذي رافق اللقاء. فالقطاع الخاص يرى ضرورة التركيز على تأمين حياة أفضل للأجيال القادمة من خلال تعظيم العوائد على الاستثمارات الحالية مستشهداً بتجارب الدول الأخرى.
وهذه وجهة نظر صائبة ومشروعة. بينما ترى الإدارة الاقتصادية أن هذا الأمر تحصيل حاصل وليس مثار جدل البته.
لكن ما لمسه الحضور هو (الإصرار المبطن) للقطاع الخاص بأن يكون شريكاً في الاستفادة من هذه الفوائض. وكذلك (الإشارة المبطنة) من الإدارة الاقتصادية بأن القطاع الخاص كان المستفيد الأكبر من الفوائض المالية التي تحققت إبان الطفرة الأولى في السبعينيات الميلادية. وكأني بوزير المالية يحاول تذكير القطاع الخاص بأنواع الدعم المباشر التي قدمتها الدولة له، والتي منها على سبيل المثال ما يزيد على 120 مليار ريال تشمل بعضاً من قروض صناديق الإقراض المتخصصة.
ولا أجد نفسي مجحفاً، إذا قلت إن (الأجيال الحالية) كانت شبه غائبة في هذا الجدل. فالقطاع الخاص وهو المستفيد الأكبر من الطفرة المالية الماضية تنكر لهذا الأجيال - التي كانت أجيال المستقبل آنذاك - عندما لم يقدم لها سوى 12% من وظائفه بينما قدم 88% من وظائفه لأجيال الشعوب الأخرى، وكان شرساً في نقد أبنائه وما بهم من (قصور) أو (عاهات مهارية أو مهنية) وتفنن في التذمر من سعودة وظائفه ووضع كافة العراقيل أمامها. بينما تفننت الإدارة الاقتصادية (في المقابل) في محاولة تحسين مواقفها الإدارية والدبلوماسية متناسية أخطاء الماضي في تهيئة الأحوال المعيشية الملائمة للأجيال الحاضرة - التي كانت أجيال المستقبل يوماً ما - ورمت دائماً بالأسباب على (قوى السوق) وتناست أن الهدف الأسمى هو توفير الحياة الكريمة للمواطن السعودي الذي دخل في نفق صراع التضخم وتراجع الدخل وأصبح يبتعد تدريجياً عن ما يسمى (بالحياة الكريمة) في ظل هذه الطفرة المالية!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 9703 ثم أرسلها إلى الكود 82244
استشاري اقتصادي
algudhea@yahoo.com