Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/12/2007 G Issue 12854
الاقتصادية
السبت 28 ذو القعدة 1428   العدد  12854
تمويل الفئة الضالة ما زال مستمراً !!
فضل سعد البوعينين

في مقالتي السابقة تحدثت عن علاقة الخلايا الإرهابية التي تم الكشف عنها نهاية الأسبوع الماضي، بقيادتها في الخارج، وأضفت أن التمويل الخارجي يمكن أن يكون مصدراً من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية في المملكة، إضافة إلى المصدر الداخلي الذي تتنوع أساليبه بين طرق تقليدية صرفة كجمع التبرعات والهبات والدعم المباشر، وأخرى غير تقليدية كغسل الأموال، والتسول على سبيل المثال لا الحصر.

الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، أشار في تصريحات صحفية إلى أن (الممولين أخطر من المنفذين)، ووعد بالكشف عن مصادر التمويل الخارجية للإرهاب في وقتٍ لاحق.

اللواء منصور بن سلطان التركي، المتحدث الأمني بوزارة الداخلية، أكد ل (عكاظ) (أن خلية تجنيد الشباب المؤلفة من مائة واثني عشر عنصراً ترتبط بقيادة في الخارج) دون أن يشير إلى مكان القيادة. قيادات الخارج تضع أكثر من علامة استفهام حول تعاون الدول المهتمة بمكافحة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله على مستوى العالم. ففي الوقت الذي يصل فيه التعاون الأمني، والمالي بين دول العالم أقصى مداه عندما يتعلق الأمر بقضايا الإرهاب في الغرب، نجده يتراجع في القضايا المتعلقة بالمناطق العربية خصوصاً المملكة العربية السعودية.

بعض الاستخبارات الغربية لديها ملفات متكاملة لقيادات الجماعات الإرهابية الراديكالية، وإلمام تام بحركة أموالهم المصرفية، بل وخططهم في غالب الأمر، إلا أنها وفي كثيرٍ من الأحيان تقف موقف المتفرج على الحرب الدائرة بين قوى الأمن الداخلي والجماعات الإرهابية، في الوقت الذي يمكن أن تستخدم نفوذها، وتقنيتها، وسطوتها في إلقاء القبض على قيادات الخارج وتقديمهم للمحاكمة. مواقع التكفيريين على الإنترنت باتت وسيلة فاعلة في إذكاء نار الفتنة، وتجنيد الشباب، وإصدار أوامر القتل والتفجير لأعضاء الجماعات الإرهابية حول العالم. هذه المواقع يمكن مراقبتها، وإغلاقها من قِبل الشركات الغربية مقدمة الخدمة، أو من قِبل الهيئات الاستخباراتية. مواقع الإنترنت المشبوهة تعيدنا إلى الخلية الإعلامية، وخلية تجنيد الشباب اللتين اعتمدتا كثيراً على الشبكة العنكبوتية، والمواقع الراديكالية على وجه الخصوص في تحقيق أهدافهم الإجرامية.

بعض المدن الغربية، وعلى رأسها لندن، باتت مركزاً لإعلاميي الجماعات التكفيرية والإرهابية، ومنظريها الذين يستغلون الدعم اللوجستي الذي يتحصلون عليه بحماية رسمية لتكريس الفكر التكفيري الإرهابي في المناطق العربية. أثبتت التحقيقات الرسمية أن بعض التكفيريين ممن ارتكبوا جرائم قتل ضد الأجانب في المملكة تأثروا برسائل جماعات (لندن) الإعلامية. الساحة الأمريكية باتت مرتعاً للمفسدين يرتدون رداء المعارضة، وسلحتهم بأسلحة (حرية الرأي) العوراء. حرية الرأي الغربية مباحة لكل من يريد مهاجمة دين الإسلام، وإشاعة الفوضى في السعودية، فالحق مكفول لديهم حتى للمزورين، والخارجين على القانون، والإرهابيين، طالما أن ذلك يحقق أهدافهم، ويرضي أصحاب القلوب الحاقدة على الإسلام والمسلمين.

هناك تهاون كبير في التعامل مع الجماعات الإرهابية التي تهدد أمننا الداخلي من بعض الجهات المتزعمة إستراتيجية مكافحة الإرهاب العالمي، وهو تهاون لا يمكن القبول به مع توفر المقدرة على اجتثاثه واعتقال قياداته وأدواته المستقرة في الخارج، وتجفيف منابع تمويله الخارجي وقطع شرايينه المصرفية.

في نهاية العام 2006 اتخِذَت عقوبات صارمة على أحد البنوك الأجنبية في الخليج بعد أن سمح بمرور أموال مشبوهة، دون أن يكون على علم مسبق بها، ما أدى بها إلى تشديد الرقابة على عمليات التحويل المصرفية التي تعتبر إحدى الوسائل الرئيسة في تمويل الإرهاب وغسل الأموال. هذه الحالة بالذات، وما شابهها من حالات أخرى، تؤكد قدرة الأجهزة الاستخباراتية العالمية على تتبع عمليات تناقل الأموال بين القارات وضمن النظام المصرفي العالمي، وأكثر من ذلك تتبع تناقل النقد والكشف عنه متى وجدت أن مصلحتها تتوافق مع كشف مثل هذه العمليات الخطرة.

وإذا كنا نوجه اللوم للجهات الغربية على تهاونها في تطبيق إستراتيجية مكافحة الإرهاب بما تتحقق معه مصلحة الدول العربية، فمن باب أولى أن نوجهه أيضاً إلى بعض فئات المجتمع المتقاعسة عن القيام بدورها المأمول في مكافحة الإرهاب الداخلي.

من غير المنطق أن يستمر بعض أفراد المجتمع في تمرير أموالهم النظيفة إلى الخلايا المسؤولة عن تمويل جماعات الإرهاب الداخلي بقصد الإحسان، على الرغم من التحذيرات الرسمية والوقائع الحية التي اثبتت خطورة التعامل مع الأطراف غير المعروفة التي يمكن أن تكون جزءاً لا يتجزأ من جماعات الإرهاب الداخلي. أعتقدُ أن خلية جمع الأموال التي ألقي القبض عليها مؤخراً ما كانت لتغامر بوجودها لولا نجاحها في إقناع المواطنين بدفع أموال الصدقات، وتحقيقها اختراقات مهمة في التجمعات البشرية.

الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، تحدث بحرقة عن عدم وجود تقدم ملموس في الجهود المبذولة من بعض الأئمة والخطباء والدعاة لمكافحة الفكر الضال في إجابته عن مدى رضاه عن التقدم الذي أحرز منذ لقاء سموه المفتوح بهم، حيث قال لجريدة (عكاظ): (لا.. ليس بالمستوى الذي اتمناه).. الأمير نايف أشار إلى (قصور القائمين على الخطب في المساجد وتحول البعض إلى الخطر الأكبر بالخروج عن الدين وولي الأمر)، خلال تصريحات صحافية عقب رعايته المؤتمر الهندسي السابع، وأكد على أن الجهد الفكري لمكافحة الإرهاب لم يصل إلى المستوى المأمول.

للأسف الشديد فبعض الدعاة وخطباء المساجد ما زالوا يستخدمون أسلوب تجييش الشباب وإثارتهم ويدفعون بهم إلى أتون المناطق الملتهبة، كما أن بعضهم أيضاً يتقاعس عن أداء الدور المأمول في محاربة الفكر الضال، توجيه الشباب وتنويره وحمايته من شبكات التجنيد التي باتت تتغلغل في مجتمعاتنا على الرغم من التحذيرات الرسمية، وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي تعرضت لها الأسر السعودية والتي فقدت فلذات أكبادها في المناطق الملتهبة. ليت هؤلاء الخطباء والدعاة يقتدون بسماحة مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وكبار العلماء، ورجال الدين المنصحين في تبيانهم الحق وتحذيرهم الشباب من فتن الخوارج وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.

استراتيجية مكافحة الإرهاب يُفترض ألا تقتصر مسؤولية تنفيذها على قوى الأمن التي اثبتت مقدرة فائقة في تحمل مسؤولياتها ومسؤوليات الآخرين تجاه الخطر الأعظم الذي يهدد كيان الدولة وأمن المواطن، بل يجب أن يطول جميع فئات المجتمع وهيئاته الإعلامية، الرسمية، الاجتماعية. النجاح الأمني الذي تحققه وزارة الداخلية يجب أن تقابله نجاحات أخرى على مستوى محاربة الفكر الضال وتجفيف منابع تمويله. وأعتقدُ أن على الخطباء، رجال الدين، الإعلام، القطاع المصرفي، المحسنين أن يمارسوا دورهم المأمول في استراتيجية الحرب على الإرهاب التي يمكن من خلالها، بتوفيق الله ورعايته، القضاء على خطر الإرهاب، وفكره الضال.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد