«الجزيرة» - عبدالله البديوي
عندما نعيد الزمن إلى الوراء، ونسترجع ذكرياتنا في سوق الأسهم السعودية قليلاً.. وتحديداً في الأيام التي تلت اليوم الثالث والعشرين من شهر فبراير لعام 2006 م، في تلك الأيام الأكثر سلبية في تاريخ السوق السعودي على الإطلاق، وذلك عندما كانت الشركات تتسابق يومياً في الانخفاض ومعانقة النسب الدنيا، حينها كان بعض المحللين والمنظرين في السوق يراهنون على معرفة علة السوق الحقيقية، ويختلفون في وصف العلاجات لمستقبل السوق، ويحثون الجهات المسؤولة على اتخاذ بعض الإجراءات التي يرون فيها حماية للسوق من مستقبل مظلم وحوادث مشابهة لتلك الحادثة الأليمة..
من هذه الإجراءات التي نادى بها الكثير أثناء وبعد انهيار فبراير: تفعيل نظام شراء الشركات المدرجة في السوق لأسهمها والسماح لها بذلك، وترددت شائعات قوية في أوساط المتداولين في فترات متباعدة عن قرار سيصدر من الجهات المعنية بالسوق يتم فيه السماح للشركات المدرجة فيه إعادة شراء أسهمها وفق ضوابط معينة، وسنحاول هنا أن نسلط الضوء على هذا الإجراء ومدى سلبيته أو إيجابيته على حاضر السوق السعودي ومستقبله.
شراء الشركات لأسهمها أو تذويب الملكية Shares Dilution نظام معروف في جميع الأسواق والبورصات العالمية وتسمى محاسبياً (أسهم الخزينة)، ويعني امتلاك الشركات المدرجة في السوق لجزء من رأس مالها عن طريق الشراء مما يعطي الشركات المرونة اللازمة لإدارة رأسمالها بحيث يكون الهدف النهائي من هذه العملية تخفيض تكلفة رأس المال حيث يؤدي شراء الأسهم إلى تخفيض عدد الأسهم المتاحة في السوق وبالتالي تركز الملكية لدى الملاك الذين احتفظوا بالأسهم.
ويؤدي هذا النوع من القرارات إلى تحسين مكرر الأرباح حيث يصبح عدد الأسهم الموجودة في السوق منخفضاً فيرتفع مكرر الربح وهو عكس عملية إصدار أسهم من خلال زيادة رأس المال.
إضافة إلى زيادة الربح الموزع نظراً لقلة الأسهم التى يتم توزيع الأرباح عليها، وهناك إيجابيات أخرى تستفيد منها بعض الشركات الممتلكة لجزءٍ من أسهمها مثل المساعدة في تنشيط الطلب على أسهم الشركة في حال كان هناك هبوط في السوق أو عزوف من قِبل المستثمرين مما يحافظ على أدائها المالي نوعاً ما، وكأن الشركة تقوم بتوصيل رسالة صريحة للجمهور بأنها واثقة من جودة أدائها ونتائجها وبالتالي فهي أفضل مستثمر في أسهمها إضافة إلى أن بعض الشركات تلجأ لإعادة شراء أسهمها بغرض دفعها لموظفيها كتحفيز لهم علاوة على المكافآت المالية، أو توزيعها على المساهمين كأرباح. كما تقوم الشركات بشراء أسهمها عندما لا يكون هناك حاجة لكامل رأس المال، وتقوم بإعادة بيع هذه الأسهم عندما تكون بحاجة إلى أموال إضافية.
إلى هنا يبدو أن قرار السماح للشركات بشراء أسهمها إيجابي بشكل مطلق وخالٍ من السلبيات، ولكن الواقع يؤكد أن هناك جزءاً فارغاً في الكوب وأن مثل هذا الإجراء يشتمل على عدد كبير من السلبيات التي لا يمكن إغفالها.
أبرز هذه السلبيات هو أن مثل هذا الإجراء للشركات يستلزم سيولة كبيرة تقتطع من رأس المال، ومعظم الشركات المدرجة في السوق بحاجة إلى رؤوس أموالها وربما أكثر من ذلك، ولذلك نلاحظ تكرار الشركات لعمليات زيادة رؤوس الأموال والاقتراض من البنوك وإصدار السندات، وكل ذلك بهدف توفير سيولة إضافية للمشروعات، وهذا الأمر معاكس تماماً لعملية إعادة شراء الأسهم التي تهدف بشكل رئيس لتخفيض رأس المال خصوصاً أن المملكة العربية السعودية تمر في الوقت الحالي بظروف اقتصادية ممتازة وطفرة كبيرة في الاستثمار مما يجعل من قرار كهذا يشكل عائقاً للشركات ولو بشكل جزئي من استغلال هذه الطفرة وزيادة الإنتاجية، ويمكن للشركات التي تملك سيولة متاحة أن تتجه بدلاً من شراء الأسهم التي تخصها إلى الاستحواذ والسيطرة (الشراء) لأسهم شركات قائمة لتوسعة النشاط بشكل أفقي أو رأسي، وربما تبقى المخاطرة عاملاً مؤثراً وان الشركات التي ترغب في الشراء يجب أن تكون لديها سيولة نقدية كبيرة لن تحتاجها لمدة طويلة، لأن البيع لن يتم بشكل فوري، بل بعد اتخاذ عدة إجراءات، وهنا ستتجه إمكانات الشركة المالية إلى شراء أسهمها على حساب التوسع في أنشطة الشركة وزيادة الأرباح التشغيلية لها، مع التذكير بأن معظم الشركات أصلاً تفتقد للسيولة النقدية من السلبيات أيضاً التي يتوقع أن تصاحب هذا القرار هو معارضته لهدف هيئة السوق المالية بزيادة عمق السوق إذ إن شراء الشركات لأسهمها سيُساهم في تخفيف الأسهم بالسوق وتقليل المتداول منها، في الوقت الذي نطالب فيه بزيادة عمق السوق وزيادة عدد الأسهم المتداولة فيه من خلال طرح المزيد من الاكتتابات!
وهذا سيدعم المضاربات على أسهم الشركات الصغيرة أكثر، وستزيد حدة المضاربة بسبب انخفاض عدد الأسهم المتداولة والسيولة المالية اللازمة لذلك، وعلى العموم فإن قراراً مثل ذلك هذا لا يمكن لأكثر الشركات المدرجة الاستفادة منه لأن هناك عدداً كبيراً من شركات بالسوق يستحيل عليها شراء أسهمها، بسبب خسائرها المتراكمة وتأثير ذلك في قيمة السهم الدفترية، أو عدم وجود سيولة متاحة لها إضافة إلى عدم إغراء السعر السوقي للشركات باتخاذ مثل هذا الإجراء، الجدير بالذكر أن هيئة سوق دبي قد سمحت في وقت سابق للشركات بشراء أسهمها، وارتفع سهم إعمار من سعر 11 درهماً ليتجاوز الـ15 درهماً جراء هذا القرار قبل أن يعود مرة أخرى لسعر 11 درهماً!