Al Jazirah NewsPaper Friday  07/12/2007 G Issue 12853
الاقتصادية
الجمعة 27 ذو القعدة 1428   العدد  12853
صوت
(القطاع العام) ..أسئلة كمية!!

ندرك جميعاً هاجس الجودة الذي أصبح ملازماً لأغلب منظمات القطاع الخاص، والذي لم يكن ليلازمها إلا لرغبة تلك المنظمات في منافسة المنظمات المماثلة والاستحواذ على أكبر قدر ممكن السوق، ولإدراكها أنها وبدون تطبيق مفهوم الجودة لن يتحقق لها هذا الهدف، بل إن الأمر سيتعدى ذلك إلى أنها ستخسر موقعها الذي سبق لها تحقيقه. وكأني بلسان حالهم يقول (إما أن نكون بتطبيق مفهوم الجودة أو لا نكون بعدم تطبيقها).

لن أستفيض في مناقشة هذا الموضوع؛ فقد قتل بحثاً، واستشعرت أهميته كل المنظمات الطموحة والراغبة في الاستمرار، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو: متى تستشعر منظمات القطاع العام أهمية هذا المفهوم؟

برغم إدراك أن هذا النهج هو آخر النظريات الإدارية المتطورة، ورغم إدراك أن ديننا - الذي نعتز باعتناقه - كان سباقاً لكل أصحاب النظريات الحديثة في تبنيه، متى يتبنى المسؤولون (الذين لا يشك في إخلاصهم لعلمهم ورغبتهم في تطويره) عن تلك القطاعات هذا النهج؟! هل يعود لعدم الشجاعة في إحداث التغيير؟ هل هو الخوف من مقاومة التغيير؟ أم ماذا؟؟

* كم من منظمات القطاع العام أعلنت رسالتها MISSION التي تعبر عن وجهتها وثقافتها لتكون واضحة للجميع؟

* كم من منظمات القطاع العام أعلنت قيمها CORE VALUES ومبادئها الثابتة (التي تساهم في حفظ المنظمة والعاملين فيها من الشتات وتنمي الثقة فيها وفي خدماتها ومديريها والعاملين فيها) للجميع؟

* كم من منظمات القطاع العام وضعت خططها الإستراتيجية بشكل يكفل تعديلها وفق المتغيرات التي تحصل حولها.؟!

* كم من منظمات القطاع العام وضعت هيكلها التنظيمي (بشكل يساهم في تحقيق الأهداف) بشكل يتم فيه استخدام الموارد البشرية الاستخدام الأمثل لتحقيق الكفاءة والسرعة والتحكم في إنجاز العمل المطلوب؟

* كم من منظمات القطاع العام أوضحت إجراءات الحصول على خدماتها بشكل سلس بعيدا عن الروتين الممل، والإجراءات المعقدة، بالشكل الذي يكفل إنجاز الخدمة بالدقة المطلوبة مع البعد عن الهدر غير المبرر في الوقت وكثرة المستندات المطلوبة؟!

* كم من منظمات القطاع العام اعتمدت أنظمة واضحة وجلية في تعيين الموظفين، وتدريبهم، وتقييمهم، ترقيتهم، ومكافأتهم؟!

* كم من منظمات القطاع العام منحت الفرصة لموظفيها في حل ما قد يطرأ من مشكلات، وأخذت مأخذ الجد بدراسة ما يقدمونه من مقترحات؟

* كم من منظمات القطاع العام حرصت على إرضاء العاملين بها لدرجة تجعل العامل يشعر أنه شريك في هذه المنظمة؟!

* كم من منظمات القطاع العام نظرت للمستفيدين من خدماتها على أنهم عملاء لها؟ وحرصت على نيل رضاهم؟!

* كم من منظمات القطاع العام زرعت في منسوبيها أنهم يؤدون خدمة للعميل (المراجع) لدرجة أنهم لا يشعرون بتفضلهم عليه عند إنجاز معاملته؟!

* كم من منظمات القطاع العام فعلت التعليمات بإيجاد صندوق للشكاوى والمقترحات، وتفاعلت مع ما يرد إليه؟!

لا يعني إيراد هذه التساؤلات وغيرها عدم وجودها قطعياً في كافة منظمات القطاع العام، لكن لأننا نتطلع إلى الرقي الذي سيكفل لمنظماتنا النجاح، ولمنسوبيها الأمان والاستقرار والإبداع، وللمستفيدين الحصول على الخدمات بيسر ووضوح.

فهي تساؤلات أوردتها (كأمثلة) لما أود أن نكون عليه، وسنكون بمشيئة الله، لأنه لا مستحيل بإذن الله (قال طاغور: سأل الممكن المستحيل أين تقيم؟ فقال: في أحلام العاجز)، ولأننا لا نطمح إلا لتطبيق فكر إداري ظهر بظهور ديننا الإسلامي الحنيف، واكتشفه مؤخراً علماء الإدارة العصريون.

إلا أن التغيير المنشود لن يتحقق بمجرد التمني فلابد من النية الصادقة في تحقيق الإصلاح المطلوب والأخذ بالأسباب المعينة على ذلك بعد التوكل على الله القائل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

لاشك أننا سنصدم عند البدء بالتغيير بالعديد من العقبات، إما من قبل مقاومي التغيير، وإما عدم الإيمان بأهمية الجودة أو لغيرها من الأسباب، لكن تطبيق آليات إدارة الجودة (بعد الاستعانة بالله) مع إخلاص النية لله سبحانه وتعالى ستكون كفيلة بالقضاء على العقبات كافة، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

وصف المهندس بدوي محمد الشيخ اتساع استخدام الجودة بقوله: (لقد امتد استخدام فكر الجودة في كل شيء، على مستوى الصناعة والخدمات إلى درجة أن يحل به اليابانيون مشكلات طهي الأرز، ثم العاملون للإسلام في غفلة عن ذلك وفي حل مشاكلهم يتخبطون).

سئل حكيم: بم ينتقم الإنسان من عدوه؟ فقال: بإصلاح نفسه.

أعاود التأكيد أن هناك محاولات ناجحة جداً لبعض القطاعات العامة كمعهد الإدارة العامة، وإمارة منطقة مكة المكرمة (على سبيل المثال لا الحصر)، إلا أن الهدف أسمى بأن تتبنى كل منظمات القطاع العام تطبيق هذا المفهوم، إلا أن الواقع يثبت أن أغلب الإدارات في القطاع العام إما أنها لم تفكر في التطبيق أصلاً، أو أنها تبذل محاولات خجولة تتقدم خلالها خطوة وربما تأخرت خطوات!!

د. عبد اللطيف بن عبدالله الحسامي
باحث في العلوم الإدارية


alhussami@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد