لقد احتلت العملة الخليجية الجديدة المنتظر صدورها حيزاً كبيراً من اهتمام وتفكير كافة المواطنين بمنطقة الخليج، إلا أن هذا الاهتمام تبلور عند البعض في التفكير في الاسم الذي ينبغي أن تكون عليه هذه العملة، لدرجة أنه راج أكثر من عشرة أسماء للعملة الجديدة ما بين قيران وغازي ودانة، ومال، ودرة، وكروة، وخليجي، ومهور، وقنطار، وبدر، وريان وغيرها.. إلا أن الأمر يبدو أنه يمتد إلى أكثر من مجرد اختيار اسم، فعملية إصدار عملة خليجية موحدة تعد أمراً غاية في الصعوبة والتعقيد، ونسعى في هذا التقرير لاستعراض جوانب هذه الصعوبة، ومدى إمكانية التغلب عليها خلال الفترة المحددة قبل نهاية عام 2010م.
الاتحاد النقدي يمثل المرحلة الأخيرة في اكتمال التكامل الاقتصادي الخليجي:
تنص الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون التي تم إقرارها في مسقط في ديسمبر 2002م في مادتها الثانية والعشرين على حث الدول الأعضاء على تنسيق سياساتها المالية والنقدية والمصرفية، وزيادة التعاون بين مؤسسات النقد والبنوك المركزية، بما في ذلك العمل على توحيد العملة لتكون متممة للتكامل الاقتصادي المنشود. كما نصت المادة الثالثة من هذه الاتفاقية على ضرورة وضع جدول زمني للاتحاد النقدي بما في ذلك تحقيق التقارب في السياسات المالية والنقدية والتشريعات المصرفية ووضع معايير لتقريب معدلات الأداء الاقتصادي مثل معدلات العجز والمديونية والأسعار. وصدر قرار المجلس الأعلى في نفس الدورة باعتماد المثبت المشترك لعملات دول المجلس وهو الدولار الأمريكي وتكليف كل من وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية بالاتفاق على معايير الأداء الاقتصادي والنسب المتعلقة بهذه المعايير ومكوناتها وكيفية احتسابها والوصول إليها وذلك في موعد أقصاه نهاية عام 2005م. كما حدد المجلس الأعلى الأول من يناير عام 2010م لإطلاق العملة الموحدة.
ولا يختلف اثنان حول مدى أهمية المنافع المنتظرة من تنفيذ الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون، سواء من حيث زيادة معدلات التبادل التجاري بين دول المجلس أو زيادة وتنشيط حركة الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال فيما بينها، أو غيرها من الفوائد الأخرى التي يمكن أن تعود عليها.
صعوبات ومعوقات التقدم في مفاوضات الاتحاد النقدي:
إلا أن إطلاق وتفعيل العملة الخليجية الموحدة يعد أمراً مختلفاً نسبياً عن عملية إقامة منطقة تجارة حرة أو اتحاد جمركي أو حتى قيام السوق المشتركة، فكافة هذه الأشكال التكاملية تعد في متناول الأيدي، وقابلة للتنفيذ خلال فترة زمنية قصيرة، لأنها ترتبط بإجراءات لوجستية أكثر منها ترتبط بسياسات اقتصادية عميقة مثل التوحد في العملة.. إن أي أمر يرتبط بعملة أي دولة يعد من الأمور الحساسة لأنها تؤثر في كافة الجوانب الاقتصادية في هذه الدولة. ولنا أن نتخيل ذلك في الكم الكبير من التحليلات والتقارير والمقالات التي تكتب يوميا حول فك الريال بالدولار.. لماذا؟ لأن هذه السياسة تكاد يكون لها تأثير على كافة الجوانب الاقتصادية والتجارية التي تهم الأفراد والشركات وحتى الحكومة نفسها..
إن الأمر صعب ومعقد، ويتطلب مبدئياً دراسة حكيمة وواعية لكافة الآثار والانعكاسات المحتملة لإطلاق هذه العملة الموحدة. ولعل إرجائها منذ البداية إلى عام 2010م يعد أحد ملامح التروي في إتمام كافة التجهيزات لإطلاق هذه العملة الجديدة. إن الإطلاق الناجح للعملة الجديدة ينبغي أن يقوم على أساس عدم إلحاق الضرر بأي من اقتصاديات الدول الخليجية الست.. كما أنه ينبغي أن يكون هناك حرص على العدالة في الانتفاع من هذا الاتحاد النقدي. لذلك، فهناك مطلب مهم يتمثل في ضرورة الانتهاء من تنفيذ كافة الخطوات الكفيلة بضمان القضاء على الفروقات والتباينات الاقتصادية بين الدول الست سواء من حيث السياسات أو الإجراءات أو غيرها قبل الشروع عملياً في الاتحاد النقدي، وإلا فإن الفشل سيكون مصير هذه العملة.
حدود التوافق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون:
لكي نتأكد ونقر بإمكانية تنفيذ العملة الخليجية، فإننا لابد أن نقف على مدى التقارب أو التوافقات الاقتصادية بين اقتصاديات الدول الست. فإذا تم التأكد من هذا التوافق، فإن الاتحاد النقدي يمكن تنفيذه.. أما في ظل اكتشاف تباينات وفروقات بينها، فإن الاتحاد النقدي قد يكون مطلباً غير ممكن التنفيذ على الأقل في الوقت الحالي. ونستعرض فيما يلي أهم المؤشرات الاقتصادية لدول مجلس التعاون:
توضح الأشكال وجود بعض التباينات في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية بين دول مجلس التعاون، هذه التباينات يمكن أن تعزز بقوة قيام السوق المشتركة، لأنها ستخلق مجالات عديدة وكبيرة للاستفادة فيما بين الدول المتباينة اقتصاديا. ولكن الحال قد لا يكون كذلك بالنسبة لقيام الاتحاد النقدي، الذي يعد التقارب الاقتصادي شرطاً أساسياً لنجاحه. ورغم تلك التباينات المذكورة عاليه، إلا أنها لا تمثل الصعوبة الحقيقية أمام إتمام الاتحاد النقدي في الوقت المحدد، بل إن الصعوبات تتأتي من جوانب أخرى من أهمها جوانب التباين في السياسة النقدية والمالية المتبعة في كل دولة من الدول الست وبعض الجوانب الاقتصادية الأخرى، والتي من أهمها ما يلي:
1- تباين سياسة صرف العملات المحلية بالدولار.
2- تباين معدلات العجز والدين العام.
3- ارتفاع وتباين معدلات التضخم.
4- تباين معدلات النمو في عدد السكان والقوى العاملة.
5- تباين معدل النمو الاقتصادي ومتوسط دخل الفرد.
6 - أوضاع متفاوتة في أسواق المال ومدى استقرارها.
7 - تباين سياسات القطاع العام وسيطرته على الجوانب الاقتصادية وحدود مشاركة القطاع الخاص.
8 - تباين مستويات تشجيع الاستثمار المحلي، والانفتاح على الاستثمار الأجنبي.
9 - تباين مستويات البطالة.
إن هذه التباينات ليست جديدة ولا طارئة، ولكنها معروفة منذ بداية الدخول في مفاوضات الاتحاد النقدي بين دول المجلس تقريبا، وقد انتبه لها المسؤولون وبدؤوا في تطبيق سياسات تحقق التقارب بصددها بمنهج زمني محدد. وقد أحرزت الدول الست نجاحات كبيرة لدرجة سهلت عملية تنفيذ السوق المشتركة في الوقت المحدد لها. ومع ذلك، فإنه لا يزال هناك حاجة لبذل جهود قد تكون مضنية لإحداث التوافق والتقارب المطلوب لإتمام الاتحاد النقدي في موعده.
وخلال الفترة الأخيرة، ظهرت بعض المواقف من بعض الدول الخليجية قادت إلى بعض التشاؤم بإمكان إتمام الوحدة النقدية في موعدها، من أبرزها موقف عمان التي أعلنت في إبريل 2007م الانسحاب نهائياً من مشروع العملة الخليجية الموحدة لعدم تمكنها من الالتزام بالمعايير المحددة فيما يخص التضخم والعجز والدين العام التي تقيد القرار الاقتصادي في عمان. ثم تلاه سعي الكويت في 20 مايو الماضي إلى تبني سياسة سلة عملات معلنة فك ارتباط الدينار بالدولار. كما أعلنت معظم الدول الأخرى (باستثناء السعودية وقطر تقريبا) أن هناك صعوبات تعترض طريق إتمام الوحدة النقدية، وأعربت في كثير من الأحيان عن تشاؤمها بإمكانية تحقيقها في موعدها.
إن إتمام وتفعيل السوق المشتركة في موعدها، يعطي دلائل على مقدرة دول المجلس فعلا على تذليل كافة العقبات، ويعطي إشارة على الرغبة الصادقة في إتمام هذا التكامل النقدي.. إلا أن الأمر يرتبط بالوقت، فهل دول مجلس التعاون قادرة فعلا على إتمام وإنهاء وحدتها النقدية في زمن لا يتجاوز الثلاثين عاماً في الوقت الذي أنهت فيه الدول الأوروبية مثل هذه الوحدة فيما يناهز الـ56 عاما؟
*محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com