يمكن القول إن مرحلة جديدة من العمل الخليجي قد بدأت بالفعل بعد الإعلان عن قيام السوق الخليجية المشتركة، وهي مرحلة تستوجب المزيد من العمل للوفاء بمستحقات هذه السوق التي تؤذن بنقل المنطقة وشعوبها إلى آفاق واسعة من التعاون والعمل يستفيد منه الجميع، فالسوق المشتركة تلبي التطلعات وتقوي الرابطة بين الدول الست وتمهد لوحدة كاملة ترنو إليها المنطقة العربية كافة.
هذه الصيغة من التعاون تنتقل بدول المجلس إلى جني ثمار العمل المضني المستمر منذ انطلاقة هذه التجربة قبل أكثر بقليل من ربع قرن، وتعتبر السوق المشتركة من أهم الأهداف التي حققها المجلس حتى الآن فاتحاً بذلك أبواب المعاملة المتساوية لأي مواطن في الدول الست فيما يتصل بممارسة المهن والحرف وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية والتأمين الاجتماعي والتقاعد وتملك العقار وتنقل رؤوس الأموال والمعاملة الضريبية والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، وفي ذلك تحقيق لمبدأ المواطنة الخليجية وفيه أيضا الفرص الواسعة التي يتيحها العمل في مساحة واسعة تشمل معظم الجزيرة العربية.ومن هنا فالخطوة ينبغي الاحتفال بها كعرس كبير تتوج به دول المجلس مرحلة طويلة من العمل المشترك، فالمزايا المنتظرة كبيرة وواعدة، وهي تستحق بالفعل الجهد الذي بذل من أجلها، كونها تمثل صيغة مثلى في تحويل الآمال والطموحات إلى واقع ملموس، وكونها تفتح مجالات لا حصر لها للاختيار أمام المواطن في الدول الست، هذا فضلا عما تتيحه من مزايا التحرك الاقتصادي والتجاري المشترك في التعامل مع الكتل الدولية الأخرى.
هذه الخطوة المتقدمة في العمل المشترك تتيح أيضا إزالة الكثير من المعوقات أمام الذين يتطلعون للتحرك استثمارياً وتجارياً، وفي إطار العلاقات الاجتماعية في هذه المساحة الواسعة تدعمهم الأنظمة والقوانين المنظمة للسوق المشتركة التي تكفل رعاية كاملة لمختلف الأنشطة وما ينجم عن ذلك من ازدهار ونمو لمختلف الأنشطة، وبالطريقة التي تضمن نمو الأعمال والاستثمارات بين مواطني دول المجلس.
الآمال العريضة الطموحة المرتبطة بالإنجاز تحرص على السهر عليها إرادة سياسية نافذة تتمثل بصفة خاصة في المجلس الأعلى لمجلس التعاون وقادته الذين تابعوا بدأب وبحرص شديدين الوصول إلى هذه المرحلة؛ معربين في كل مرة عن الاستعداد للانتقال بكامل تجربة المجلس إلى ما يجعلها صنواً للتجارب الدولية الأخرى الناجحة، وفي الذهن دائما الإنجاز المتميز لدول الاتحاد الأوروبي.
وعلى الصعيد العربي فإن هذه الخطوة تحظى باهتمام واسع باعتبار أنها تعبر عن توق عربي قوي نحو التلاقي والعمل المشترك، ولطالما انتظرت مختلف الشعوب العربية مثل هذا الإنجاز الذي من شأنه تجميع الطاقات وتضافرها وتوحيدها في عمل مشترك لصالح الجميع باستثمارالامكانيات الهائلة البشرية والمادية.