يتميَّز الدكتور عبد الرحمن الزامل بتصاريحه الملامسة للواقع، ومن آخر ما صرَّح به الزامل وأثار اهتمامي وجعلني أتذكر القول الشائع (شرّ البلية ما يضحك) عندما ذكر أن 60% من أعضاء مجلس الشورى لا يملكون مساكن وهم من خيرة رجالات الوطن، مؤكداً أن هذا أمر غير معقول، وتساءل: فكيف بالآخرين من المواطنين في ظل غلاء أسعار الأراضي والإيجارات؟!
نعم يا دكتور عبد الرحمن، فكيف بالآخرين من المواطنين؟! فجوة كبيرة بين المعروض والمطلوب تنذر بارتفاعات سعرية حادة في أسعار الوحدات السكنية، خصوصاً أن تلك الفجوة مقرونة بارتفاع كبير في أسعار مواد البناء والعمالة والأراضي في ظل تضخم عالمي رفع أسعار كل السلع والخدمات دون استثناء. وهذه الارتفاعات غير مصحوبة بارتفاعات توازيها في الدخل؛ فمعدلات الرواتب لا زالت في الحدود المتعارف عليها قبل ارتفاع أسعار البترول وتهاوي الدولار وما ترتب على ذلك من ارتفاع في معدلات التضخم.
سمو أمين مدينة الرياض الأمير الدكتور عبد العزيز بن عياف وهو يحثّ العقاريين على الاستثمار في تطوير أحياء متكاملة بتطبيق فلسفة التطوير الشامل قال في كلمة له عندما تفقّد مشروع القصر الذي تطوره دار الأركان: (إن طائر التنمية لا يمكن أن يحلِّق بجناح القطاع الحكومي مهما كبر وتعاظم هذا الجناح، وإن جناح القطاع الخاص عليه أن يعمل بنفس القوة من خلال روح المبادرة الإيجابية والسعي لتحقيق أهدافه مع مراعاة تحقيق أهداف البيئة التي ينشط بها والسوق الذي يعمل به؛ إذ عليه أن يعمل دائماً على دعم بيئته بنوعية وجودة منتجاته، وعليه أن يرى أهمية ربحية السوق الذي يعمل به كما يرى أهمية ربحية شركته سواء بسواء).
كلمات احتفظت بها لروعتها، خصوصاً أنها تصدر من مسؤول حكومي رفيع ممارس يعرف ماذا يعني جناح القطاع الخاص من أهمية في تحقيق الأهداف التنموية التي تسعى الحكومة لتحقيقها؛ فهو يدرك أنه جناح قويّ يعمل بدافع تجاري في ظل منافسة شديدة تحثه للمزيد من الإنتاج والإبداع. وإنني على ثقة أن السوق الإسكانية لا يمكن أن تستقر دون دور فاعل للقطاع الخاص في تقليص الفجوة المتزايدة بين المعروض والمطلوب في ظل آليات الإنتاج والتمويل الحالية التي لا تبشر بخير.
ولكن عندما ننظر في قطاعنا الخاص الناشط في القطاع العقاري نُصاب بخيبة أمل، حيث نرى سيادة الشركات العقارية العاملة في تطوير الأراضي البيضاء بالطريقة المألوفة التي تسلب من المساكن أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والأمنية وتجعلها في أدنى مستوياتها، حيث نعيش في ورش عمل تمتد لسنوات طوال، تمتد لأكثر من ثلاثين سنة في بعض الأحيان، كما نرى ندرة في الشركات العقارية الكبرى القادرة على تطوير كميات كبيرة ومتنوعة من المساكن ذات الجودة العالية في أحياء متكاملة التطوير خلال سنوات قليلة (من 3 إلى 5 سنوات كما هو معتاد).
وكل عالِم ببواطن القضية الإسكانية يعلم علم اليقين أنه لا حلّ للقضية الإسكانية من قبل القطاع الخاص دون وجود شركات تطوير إسكاني كبرى لديها إمكانيات فنية متطورة جداً إضافة للإمكانيات الإدارية والمالية، حيث إن شركات التطوير الإسكاني تشكل الحلقة الأولى في سلسلة مترابطة من المؤسسات التي تنشأ أو تنشط حال نشاطها، فلا يمكن أن نتصور شركات تمويل إسكاني تنشط في ظل تطوير إفرادي متهالك لا يصلح كضمان للقروض طويلة المدى، كما لا يمكن أن نرى شركات مقاولات كبرى تحترف بناء المساكن في حال غياب المطوِّر الإسكاني الكبير القادر على التخطيط والإشراف والتمويل لإنتاج مساكن متنوعة بكميات كبيرة، وهكذا.
وعلى رغم ندرة شركات التطوير الإسكاني بسبب عدم استكمال التشريعات المحفزة وبسبب شحّ آليات تمويل المشروعات العقارية الكبرى خرجت علينا شركة مطورة واحدة تخصصت في تطوير كميات كبيرة ومتنوعة من الوحدات الإسكانية وأعلنت أن السوق الإسكانية السعودية تعتبر السوق الأمثل للاستثمار في هذا القطاع، على اعتبار أن الطلب فيها حقيقي وليس مصطنعاً، وأن العوائق يمكن معالجتها ببذل جهود متكاملة مع الجهات الحكومية المنظمة. وها نحن نرى بعض النتائج المبشرة تتحقق بما وعدتنا به.
هذه الشركة أرجو أن تكون قدوة للشركات العقارية الكبرى الأخرى في بلادنا لتنتقل من مرحلة تطوير الأراضي البيضاء ومرحلة إدارة المشروعات العقارية إلى مرحلة التطوير الشامل بمفهومة العالمي لتشارك في معالجة القضية الإسكانية من منطلقات اقتصادية، مستندةً إلى مبادئ أخلاقية. وكلنا ثقة أن إدراج دار الأركان في السوق المالية سيحثّ الآخرين لاقتفاء أثرها للاستفادة من السوق المالية في تعزيز مكانتها ورفع مكانتها الائتمانية لتكون قادرةً على تمويل مشروعاتها بكافة الصيغ التمويلية المتاحة سواء من المؤسسات المالية التقليدية أو من السوق المالية المحلية والعالمية على حدّ سواء.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7842 ثم أرسلها إلى الكود 82244
alakil@hotmail.com