عمت الدهشة الأوساط المتابعة لمسيرة السلام لقيام الولايات المتحدة وبصورة مفاجئة بسحب مشروع قرار كانت قدمته لمجلس الأمن الدولي لدعم عملية السلام التي رعتها وأطلقتها خلال مؤتمر انابوليس، ومن ثم بدأ الكثيرون يبحثون عن أسباب الخطوة الأمريكية المفاجئة كونها جاءت من الدولة التي تجهد نفسها في سبيل توفير كل سبل الدعم لمؤتمر السلام الذي راهنت عليه ودعمته وبذلت الكثير من من الجهد كي يتحقق.. وإذا كان المثل السائر يقول (فتش عن المرأة) متى كان هناك غموض في أمر ما، فمن الطبيعي، فيما يتصل بسياسات المنطقة، الدعوة إلى إطلاق المثل بهذه الصيغة (فتش عن إسرائيل)، فقد ثبت بالفعل أنه خلال المشاورات التي أجراها الأمريكيون وهم يستعدون لتقديم مشروع قرارهم أن الإسرائيليين أعربوا عن عدم ارتياح تجاهه.. فمن المعروف أن إسرائيل درجت على استبعاد أي دور للأمم المتحدة فيما يتصل بالتسوية، ومن ثم فإن صدور قرار رسمي بدخول الأمم المتحدة كطرف في جهود السلام بالشرق الأوسط أمر يبعث على قلق إسرائيل، وكثيرا ما تشكو إسرائيل مما تقول إنه انحياز من الأمم المتحدة ضدها.. ولا تترك سياسات إسرائيل اعتداءاتها أمام الأمم المتحدة إلا إبداء التنديد تجاهها، وهذا هو موقف معظم دول العالم، فليس هناك انحياز ضد إسرائيل، بل هناك إدانات دولية مستمرة لها بسبب تلك الاعتداءات وموجات التقتيل المستمرة والضغوط التي تمارسها على الفلسطينيين ليل نهار.. لقد كانت الولايات المتحدة تمضي في الطريق الصحيح وهي تقدم مشروع القرار إلى مجلس الأمن، فالتسوية التي أطلقها انابوليس جديرة بأن تحظى برعاية دولية تضمن تطبيقها وتساعد على إنجازها، إذ إن التسويات تستوجب دائما ضمانات دولية ترعاها وتسهر على الالتزام بها، لكن إسرائيل وحسب تجربتها الطويلة مع المجتمع الدولي خلصت إلى أنها لا تتوافق مع التحركات الجماعية الدولية لأنها تفضح ميلها الشديد للعنف وامتهانها لشروط السلام.. ومن المهم الإشارة هنا إلى عشرات القرارات الصادرة من مجلس الأمن الدولي بخصوص الشرق الأوسط والتي لم تلتزم بها إسرائيل.
ومن جانب الولايات المتحدة فقد كان ينبغي لها المضي قدما في تقديم مشروع القرار خصوصاً وأنها تعلم المزايا الكثيرة التي يمكن أن يوفرها الوجود الدولي لمشروع أنابوليس إذا كانت فعلاً تتطلع إلى تسوية راسخة تزيل عن المنطقة والعالم أعباء الحروب المتواصلة، كما كان بإمكانها إقناع إسرائيل بأنه لا سبيل للخروج عن الإجماع الدولي تجاه أمر كهذا.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244