من الحقائق التجارية المسلم بها انه كلما كبر حجم البضاعة المشتراه أدى ذلك إلى حصول المشتري على اسعار أفضل، إضافة إلى قيام البائع بتقديم التدريب والصيانة والخدمات اللازمة لما بعد البيع بأسعار تنافسية. واذكر في هذا الخصوص انني قبل ست سنوات تقريباً ومن خلال هذه الزاوية طالبت بأن تقوم مختلف الأجهزة الحكومية مجتمعة على تأمين مستلزماتها المكتبية والورقية وكذلك حاجتها من السيارات ومن أجهزة الحاسوب وغيرها من خلال عقود موحدة من أجل الحصول على أسعار وخدمات أفضل.
كما أذكر في هذا الخصوص موافقة مجلس الوزراء لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا بأن تبرم اتفاقية موحدة مع شركة مايكروسوفت بهدف تلبية حاجة الدوائر الحكومية من برامج التشغيل لتقنية المعلومات التي تنتجها مايكروسوفت، وقد ترتب على ذلك العقد الموحد حصول أجهزة الدولة على كل احتياجاتها من تلك البرامج بنسب تخفيض تصل إلى 50%.
وفي هذا الخصوص، يجدر بنا أن نشيد بما قام به معالي وزير الصحة الدكتور حمد المانع عندما وجه قبل عامين بتشكيل لجنة تنسيقية تتولى وضع معايير موحدة لجميع احتياجات القطاعات الصحية في المملكة في الأدوية والأجهزة الطبية رغبة من معاليه في تأمين كل الاحتياجات الصحية من خلال عقود موحدة، نظراً لادراكه أن ذلك سيتيح لوزارة الصحة الحصول على تلك الاحتياجات بأقل الأسعار، إضافة إلى حصول الوزارة على خدمات أفضل لما بعد البيع وبأسعار تنافسية. وقد كانت سعادتي لا توصف عندما علمت مؤخراً بما صدر عن مجلس الوزراء من موافقة على تأسيس شركة وطنية للشراء الموحد للادوية والأجهزة والمستلزمات الطبية تتولى توفير تلك الأدوية والأجهزة وتوصيلها وخزنها لمصلحة كافة القطاعات الصحية الحكومية مجتمعة. حيث ستلتزم كافة الجهات الصحية الحكومية بتوفير احتياجاتها من الأدوية والمستلزمات الطبية من هذه الشركة حصرياً وفق أدلة موحدة.
وقد اقر مجلس الوزراء بأن يكون رأسمال هذه الشركة الوطنية ملياري ريال سيتم تمويلها من قبل الدولة، كما سيتم طرح 30% من رأسمالها للاكتتاب العام بعد ثلاثة اعوام من اعلان تأسيس الشركة.
إن سعادتي لا توصف عندما طرح معالي الدكتور حمد المانع هذا التوجه الاقتصادي المحمود، وفي ظني أن ما دفع معاليه لطرح هذا التوجه اعتبارات عدة فمعاليه يدرك أن كلفة فاتورة الدواء على أجهزة الدولة تفوق الخمسة مليارات سنوياً، ومعاليه يدرك أن تنفيذ آلية الشراء الموحد سيوفر الكثير من الأموال على ميزانية الدولة، ومعاليه يدرك أن عدداً من الدول المتقدمة قد سلكت هذا التوجه وقد حققت وفراً مالياً كبيراً، ولذا رغب معاليه أن ينقل إلينا تلك التجارب الاقتصادية الناجحة على الرغم من كون معاليه طبيباً وليس برجل أعمال أو اقتصاد، ومعاليه يدرك بأنه من خلال هذا التوجه سيحقق تنسيقاً وتكاملاً بين القطاعات الصحية بالمملكة من خلال توحيد المواصفات والمعايير في استخدام المستلزمات الطبية والعلاجية، ومعاليه يدرك بأن مثل هذا العقد الموحد سيجنب وزارته وكافة القطاعات الاقتصادية الأخرى الروتين الإداري وستتحقق المرونة اللازمة عند تأمين الادوية والمستلزمات الطبية.وأخيراً فإن حرص معالي الدكتور حمد المانع على هذا التوجه الاقتصادي المحمود إنما هو امتداد للنقلات النوعية التي تشهدها وزارة الصحة منذ تولي معاليه دفة الوزارة.
ختاماً، أعيد وأكرر نفس السؤال الذي طرحته قبل ستة أعوام وهو: (لماذا لا تقوم جميع أجهزة الدولة مجتمعة بتأمين مختلف احتياجاتها من خلال عقود موحدة بدلاً من انفراد كل منها بتأمين تلك الاحتياجات طالما أن الصرف لتأمين تلك الاحتياجات يتم من خلال مصدر واحد هو الخزانة العامة للدولة؟.
dralsaleh@yahoo.com