Al Jazirah NewsPaper Sunday  02/12/2007 G Issue 12848
مقـالات
الأحد 22 ذو القعدة 1428   العدد  12848
التيسير في أركان الحج
د. سلمان بن فهد العودة

لقد اتفق العلماء على ركنين من أركان الحج هما: الوقوف بعرفة والطواف، واختلفوا في غيرهما:

1- الوقوف بعرفة:

الوقوف بعرفة ركن بالإجماع، وهذا الركن يحصل أداؤه بلحظة.

ولو دفع قبل الغروب أجزأه عند الأئمة، خلافاً لمالك، قال ابن عبد البر

: لا نعلم أحداً من أهل العلم وافق مالكاً على هذا. وبعضهم يقول: عليه دم.

والأقرب أن لا شيء عليه، والدليل: حديث عروة بن مُضَرِّس الطائي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف - يعني بجمع - قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيئ، أَكْلَلْتُ مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه)، فهذا دليل على أن الحاج لو دفع قبل الغروب فلا شيء عليه.

2- طواف الإفاضة: وهو الركن الثاني، ويسمى طواف الحج والزيارة.

وإنما يبدأ وقت الطواف بعد نصف الليل (ليلة المزدلفة) باعتبار المعذورين للدفع منها من الضعفة والنساء ومن معهم أو في حكمهم. وهل يبدأ بعد الفجر أو بعد نصف الليل؟ قولان للعلماء، والأمر واسع لعدم ثبوت نص في هذه الجزئية.

- يمكن تأخير الطواف ليكون هو وطواف الوداع شيئاً واحداً؛ ليخفف المشقة عليه، والزحام على إخوانه، ويمكن تأخيره إلى نهاية ذي الحجة، ولو فعله بعد الشهر أجزأه.

- نص النووي وجماعة أنه لو نسي الإفاضة، وطاف للوداع من غير نية الإفاضة، أو بجهل بوجوب الطواف؛ أجزأه طوافه عنهما معاً.

وهذا حسن، وهو من التيسير والرخصة.

- ويسقط طواف الوداع عن الحائض، وهي رخصة ثابتة في السنة.

وهل تشترط الطهارة للطواف؟ الجمهور يوجبونها من الحدث الأصغر والأكبر، وأجاز أبو حنيفة الطواف على غير طهارة، وهو رواية عن الإمام أحمد، واختار ابن تيمية، وابن القيم عدم اشتراط الطهارة، وهو ما كان يفتي به الشيخ ابن عثيمين، وهذا يخفف على الناس في الزحام، وصعوبة الوصول إلى أماكن الوضوء.

وإن كنا نقول: ينبغي له أن يتطهر؛ لكن لو لم يتطهر وطاف، أو أحدث خلال الطواف ولم يجدد وضوءه، فلا شيء عليه.

طواف الحائض: المرأة الحائض التي لا تطهر إلا بعد وقت طويل، وقد تذهب رفقتها ويلحقها الحرج، تتحفظ وتطوف، وتسافر ولا شيء عليها.

وهذا ما أفتى به ابن تيمية وابن القيم، ومن علماء العصر الشيخ عبد العزيز بن باز رحمهم الله.

التيسير في التحلل والمبيت

ومن ذلك: أن التحلل الأول يقع برمي جمرة العقبة، فإذا رماها يوم العيد حلَّ له كل شيء إلا النساء.

وهذا مذهب مالك، وأبي ثور، وأبي يوسف، ورواية عن أحمد، والشافعي، وبه قال علقمة، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعطاء.

قال ابن قدامة في "المغني": وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.

وهو آخر القولين لشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز.

واستدلوا بما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رميتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء، إلا النساء).

ومن الرخصة ما يتعلق بالمبيت بمنى: وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وكان جماعة من فقهاء الصحابة يرون وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق على مَن قدر على ذلك، ووجد مكاناً يليق بمثله، وهو قول الجمهور.

لكن دلت الأدلة على سقوط المبيت عمن لم يجد مكاناً يليق به، وليس عليه شيء، وله أن يبيت حيث شاء في مكة أو المزدلفة أو العزيزية أو غيرها، ولا يلزمه المبيت حيث انتهت الخيام بمنى.

وليست الطرقات والممرات بين الخيام وأمام دورات المياه والأرصفة وشعف الجبال مكاناً صالحاً لمبيت الآدميين مبيتاً يتناسب مع روح هذه العبادة العظيمة.

ومما يدل على ذلك: حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية، فأذن له.

وإذا ثبتت الرخصة في ترك المبيت بمنى لأهل السقاية، وهم يجدون مكاناً للمبيت بمنى، فمن باب أولى أنْ تثبت لمن لم يجد بمنى مكاناً يليق به.

ومن ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر. والذي لا يجد مكاناً يصلح للمبيت بمنى أولى بالرخصة من رعاة الإبل، وهذا ظاهر.

وهذا ابن عباس رضي الله عنهما يفتي الحجيج بأنه: إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إن بات بمنى، فلا بأس أن يبيت عنده بمكة.

وألحق أهل العلم بمن تقدم كلَّ من له مال يخاف ضياعه، أو أمر يخاف فوته، أو مريض يحتاج أن يتعهده، أو يلحقه ضرر أو مشقة ظاهرة.

وفي معنى هؤلاء في جواز الترخص بترك المبيت بمنى، بل أولى به منهم: من لا يجد مكاناً يليق به يبيت فيه، وكذلك من خرج ليطوف بالبيت الحرام، فحبسه الزحام، حتى فاته المبيت بمنى؛ فإنّ تخلفهما عن المبيت بمنى سببه أمر خارجي، ليس من فعلهما، ولا يستطيعان رفعه.

التيسير في الدماء

ومن التيسير: عدم إرهاق الحجيج بكثرة الدماء؛ فإن الفتوى أحياناً تُلزم الحاج بدم كلما ترك واجباً، بناء على أثر ابن عباس رضي الله عنهما: من نسي من نسكه شيئاً أو تركه، فليهرق دماً.

وهو أثر صحيح؛ ولكنه فتوى واجتهاد، وقد أسقط الشارع بعض الواجبات، كطواف الوداع عن الحائض، والمبيت بمنى عن الرعاة ومن في حكمهم إلى غير بدل، ولم يلزمهم بشيء، وهذا ثابت معروف في السنة.

بينما في فعل المحظور ورد حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه في الإذن بحلق الرأس مع الفدية.

ولم يثبت في السنة المرفوعة خبرٌ في إيجاب الدم لترك الواجب، ولذا فإن القول بعدم إيجاب الدم عند ترك واجب من واجبات الحج والعمرة هو الأقرب - فيما يظهر لي- والله أعلم.



salman@islamtoday.net
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6847 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد