عمليات استباقية مركزة قامت بها قوات الأمن السعودية أسفرت عن إحباط مخططات إرهابية كانت تستهدف منشآت نفطية مساندة، وشخصيات دينية، ورجال أمن. جهود وطنية ذاتية لأجهزة وزارة الداخلية يرجع الفضل لها بعد الله في حماية الوطن من كيد الفجار، وعبث الأشرار الذين زين لهم الشيطان أعمالهم وصدهم عن طريق الحق والصلاح.
إلقاء القبض على ست خلايا إرهابية تتكون من 208 أفراد ليس بالأمر الهين، وإذا ما أضيف إلى ذلك تفرقها وعدم وجود روابط اتصال بينها، فالمهمة تكون أكثر صعوبة وأشد تعقيدا على رجال الأمن، وهو ما تأخذه تلك الخلايا الإرهابية في الحسبان، كخطوط دفاع أولية يمكن أن تساعدها في الحماية من السقوط الشامل أمام العمليات الأمنية الاستباقية، وهو ما لم ينجح في هذه الحالة بسبب يقظة قوى الأمن واحترافية عملهم المنظم. في كل يوم تكشف وزارة الداخلية بقيادة رجل الأمن الأول الأمير نايف بن عبدالعزيز وسمو نائبه عن إنجازات أمنية كبيرة استخدمت فيها التقنية المتقدمة، وأسلوب الرصد المتقن، والمتابعة الدقيقة وفق الأنظمة الأمنية الحديثة. الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية يقوم بجهد مضاعف، وبمهام مزدوجة تتمازج فيها مهامه الأمنية الصارمة، بالمراجعات الفكرية، ومتابعاته الإنسانية، لإخوانه رجال الأمن، وللعائدين إلى الحق من أبناء هذه البلاد.
أسلوب الإرهاب الجديد في استهداف رجال الدين يمثل نقلة نوعية في عمليات الإرهابيين الميدانية، على أساس أن التهديدات الإعلامية كانت متواترة منذ سنوات إلا أنها لم ترق إلى مستوى التنفيذ. وهنا يجب الإشارة إلى مراحل تطور عمليات الإرهابيين التي بدأت بمهاجمة الأجانب، ومجمعاتهم السكنية، ثم المواقع العسكرية، والنفطية، ثم شخصيات دينية ورجال أمن، وهو ما يعني أن الفكر التكفيري رغم ثبات معتقداته إلا أن عمليات معتنقيه الميدانية تطورت بصورة دراماتيكية أوصلتها إلى مرحلة استهداف العلماء الذين وقفوا بحزم أمام معتقداتهم المنحرفة. أعتقد أن جماعات الفكر الضال ما هي إلا أداة استُغِلت بخبث لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بالدين.
أجزم بأن هؤلاء الإرهابيين لا يمكنهم العمل بمعزل عن قياداتهم العليا، وإن بدوا وكأنهم متفرقون لا يربط بينهم رابط منطقي. يدعم هذا الرأي مقدرتهم الفائقة على بناء خلاياهم المتفرقة بعد كل ضربة استباقية توجهها لهم قوات الأمن، تجنيد الانتحاريين، توفر الأسلحة المتقدمة، أسلوب الاتصال الاستخباري المنقطع، تحديد الأهداف، التغطية الإعلامية، والملاءة المالية الضخمة.
إلقاء القبض على خلية التمويل التي ضمت اثنين وثلاثين عنصرا ناشطا في جمع التبرعات تكشف مقدرة هؤلاء الإرهابيين على اختراق المجتمع الذي يفترض أن يتصف بالوعي والحذر، وأن يكون متقيدا بالأنظمة والقوانين التي تمنع دفع أموال التبرعات إلى جهات غير مصرح لها. أعتقد أن خلية التمويل يمكن أن تكشف عن معلومات قيمة حيال طرق جمع الأموال، تخزينها، وتحويلها لدفع فواتير الأسلحة، أو تمويل الخلايا المتفرقة في الداخل والخارج. لا بد أن يكون هناك رابط بين إيرادات خلية التمويل الداخلية، والخارجية، وإن كنت أعتقد أن التمويل الخارجي وإن لم يظهر جليا، على الأقل بالنسبة لنا، بات مصدرا مهما من مصادر تمويل الجماعات الإرهابية في الداخل.
توليفة متناسقة من الخلايا الإرهابية المتفرقة شكلت مجتمعة وحدة متكاملة يمكن لها الضرب في عمق الأمن الداخلي باستقلال ظاهري، وبدعم لوجستي (ربما) سمح باستفادة الخلايا من بعضها البعض عبر قيادتها العليا التي ربما استقرت في الخارج، وعلى دراية واسعة بعمليات الاستخبارات العسكرية. عندما تتشكل الخلايا المتفرقة من مجموعات متخصصة في التمويل والدعم والمساندة، وفرق الاغتيالات، والإعلام والترويج للفكر الضال، والتنسيق الخارجي لتسفير الشباب للمناطق الملتهبة بقصد التدريب والإعداد لتنفيذ عمليات الداخل مستقبلا، فإن الأمر يتجاوز عمل الجماعات التكفيرية التقليدية إلى الهيئات الاستخباراتية الأكثر تنظيما ودقة في توزيع الأدوار، والفصل بين المجموعات والأفراد، وتحديد الأهداف المنتقاة التي تحدث أكبر قدر من الدمار والتأثير في الداخل والخارج، وتساعد تلك الهيئات على تحقيق أهدافها الشيطانية.
استهداف المنشآت النفطية يعني استهداف الاقتصاد وضرب أهم قطاعاته المنتجة، والقضاء على المورد المالي الرئيس، وهو أمر عظيم لا يمكن أن يقف تأثيره عند حاجز التغيير الذي يثيره التكفيريون وتروج له وسائل الإعلام الموجهة، بل يتعداه إلى تدمير الوطن، وإنهاك قواه، وإضعافه، وإعادته إلى عصور الفقر. استهداف المنشآت النفطية الرئيسة أو المساندة في أكبر الدول المنتجة للنفط يثير الهلع العالمي ويضع المملكة في دائرة المراجعات الأمنية الدولية، ويحقق أهداف المخططات الإستراتيجية الشيطانية التي وضعتها قوى الشر، وجندت إرهابيي الجماعات التكفيرية لتنفيذها وفق الخطط الاستخباراتية المتقدمة.
استهداف العلماء، ورجال الدين يعني استهداف دين الإسلام ومحاولة النيل منه في أطهر بقاع الأرض قاطبة. هي محاولة يائسة لكتمان الحق الذي في صدور العلماء، وإطفاء نور الله الذي تعهد بحفظه {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
المملكة معقل الإسلام الأول، وقبلة الإسلام والمسلمين، منها يشع نور الهدى، وفيها أطهر بقاع الأرض وأحبها إلى الله، والإفساد فيها أو محاربتها - على إيمان أهلها، وصلاح وتقوى علمائها وإخلاصهم، وتحكيم ولاة أمرها شرع الله وسنة رسوله الكريم، نحسبهم جميعا كذلك ولا نزكيهم على الله- ما هو إلا محاربة لله ورسوله، ونقضا للعهود الربانية ومواثيق الطاعة. {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
إرهابيو القاعدة بدؤوا بشعار (أخرجو الكفار من جزيرة العرب) وانتهى بهم العمل الإجرامي إلى استهداف العلماء، ورثة الأنبياء، وضرب اقتصاد الوطن ومقدراته، وإضعاف بنيته كي يكون لقمة سائغة في أيدي أعداء الأمة، وهم بذلك ينتقلون من قاعدتهم الدينية التكفيرية، إلى قاعدة سياسية تدميرية لم يستوعبوا نتائجها التدميرية بعد.
سيبقى رجال الأمن، بإذن الله، قوة صامدة أمام الإرهاب وأهله، ولن يمنع الاستهداف علماء الأمة من كشف زيف الفئة الضالة، وفضح أعمالهم المشينة المخالفة لشرع الله وسنة نبيه، وستبقى قوة الاقتصاد السعودي قوة للإسلام والمسلمين، وأداة خير توجه نحو بناء الأمة، ورخاء الشعب، ونشر دين الله والذب عنه بعد أن شوهته أفكار الفئة الضالة وأعمالهم الإرهابية المشينة.
ونختم بقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
f.albuainain@hotmail.com