هل تعلم عزيزي القارئ أن الطفل الذي ينشأ في أسرة تملك مسكناً ربما يكون أكثر ذكاءً واستقراراً من قرينه الذي يسكن في منزل مستأجر؟! وأن مستوى الأمان في حي يملك سكانه منازلهم سيكون في الغالب أعلى من مستوى الأمان في حي أغلب سكانه من المستأجرين؟! وهل تعلم أيضاً، أن من يملك منزله ينتابه إحساس (بالثقة الاجتماعية) أكثر من ذلك الذي يستأجر منزلاً وهذا ينعكس على حياته العملية ويصبح أكثر قدرة على الإنتاج من ذلك المستأجر؟! هذه فقط حصيلة عدة دراسات منشورة، تحتمل الخطأ والصواب! ولكن لا أحد يستطيع نفي المنافع الاقتصادية والاجتماعية لتيسير امتلاك المسكن... طبعاً هذا الأمر ينطبق على الكادحين فقط!
لا أتصور أن أحداً يعتقد أن امتلاك منزل في المملكة أصبح ميسراً، باستثناء بعض المسؤولين! وبين اعتقاد المسؤول وشكوى المواطن تقف الإحصاءات الرسمية حكماً بين الطرفين، ولا سيما في ظل محاولة المسؤول التقليل من التحديات وتفادي وضع الأمور في نصابها وإعطاء المشاكل حجمها الحقيقي!
فقد جرى العرف (وفقاً لتطبيقات المؤسسات الدولية) على اعتبار المسكن ميسراً عندما لا يتجاوز إنفاق الأسرة على مسكنها 30% من إجمالي ما تنفقه الأسرة على احتياجاتها. ولكي تحدد عزيزي القارئ ما إذا كان مسكنك ميسراً، قم بقسمة قيمة الإيجار الشهري (إن كنت مستأجراً) على إجمالي ما تنفقه من دخلك الشهري. فإذا زاد ناتج القسمة عن 30% فأن أمر المسكن بالنسبة لأسرتك أصبح في حكم العسير.
ولقياس مدى قدرة المواطن في منطقة بعينها على تملك المسكن، تلجأ التطبيقات الدولية إلى احتساب معدل ملكية المساكن. ففي الرياض مثلاً يبلغ معدل امتلاك المساكن نحو 52% أي أن 48% من الأسر السعودية في الرياض لا تمتلك مسكناً. وللمقارنة، فإن نحو 85% من سكان مدريد يملكون مساكنهم، بينما لا يشكل المستأجرون وغيرهم سوى 15%. عموماً، فإن نسبة تملك المساكن لدينا ما زالت متدنية نسبياً، ومن المتوقع أن تتجه إلى الأسوأ ولا سيما في ظل الإيذان بدخول الاقتصاد السعودي في دهاليز التضخم وتحديداً قطاع المساكن. وهذا الأمر بلا شك سيزيد من تعقيد قضية امتلاك المسكن، أو حتى المحاولة لتيسير امتلاكه.
طبعاً أتت معضلة المسكن الميسر، كنتيجة حتمية لغياب العوامل الفاعلة والكفيلة بتحسين بيئة الاستثمار العقاري بما يخدم طرفي المعادلة (المواطن الباحث عن المسكن من جهة، وشركات ومؤسسات التطوير العقاري من جهة أخرى). ومن أبرز هذه العوامل غياب الكثير من التشريعات اللازمة للقطاع العقاري، التي كانت كفيلة بنشوء الكثير من الممارسات (الجشعة). كما كانت مدعاة لدخول الكثير من الأدعياء على هذا القطاع الحيوي.
وبالتالي فإن الأمر يتوجب التسريع بهذه التشريعات أولاً، إضافة إلى السعي قدماً لتعزيز العمل المؤسساتي المنظم داخل القطاع العقاري. ولعل المبادرة بطرح عدد من شركات التطوير العقاري للاكتتاب، سيعزز من مفهوم العمل المؤسسي الناضج لشركات التطوير العقاري ولا سيما في ظل اليقين بأن النسبة الأكبر من الأسر السعودية تعيش في مساكن مستأجرة، وهذا كفيل بتعزيز ربحية ونمو هذه الشركات. كما أنه كفيل بوضع إطار رقابي حازم على أدائها، ولا سيما أنها ستكون ملزمة بالوفاء بمواد الإفصاح التي يفرضها نظام السوق المالية.
استشاري اقتصادي
algudhea@yahoo.com