كشفت نتائج دراسة (رؤية لتنمية الموارد البشرية) التي أنجزها منتدى الرياض الاقتصادي إلى أن البعد التخطيطي والتشريعي احتل المرتبة الأولى من حيث ترتيب المشاكل وأساليب العلاج في حين كانت سلبيات البعد الاقتصادي والسلوكي في المراتب الأخيرة، كما أوضحت الدراسة الأهمية الترتيبية لعلاج مشاكل البعد السلوكي والاقتصادي أولاً من خلال تعديلات تخطيطية وتشريعية جديدة.
وتؤكد هذه النتيجة أن حل المشكلة يتطلب الدمج بين الأبعاد الأربعة معاً في آنٍ واحد حيث تم تحليل المشكلة من خلال أربعة أبعاد وهي:
- المشاكل في البعد الاقتصادي.
- المشاكل في البعد التخطيطي.
- المشاكل في البعد التشريعي.
- المشاكل في البعد السلوكي.
وتستهدف الدراسة تحقيق تشخيص المشاكل الراهنة لتنمية الموارد البشرية بأبعادها الأربعة، وتحليل أسباب نجاح الدول الأخرى في تنمية مواردها البشرية، ووضع رؤية مستقبلية جديدة ومتكاملة الأبعاد لتنمية الموارد البشرية.
النتائج البحثية للدراسة المكتبية
تم تحليل المشكلة من خلال أربعة أبعاد أساسية وهي (الاقتصادي والتخطيطي والتشريعي والسلوكي) وأسفرت نتائج الدراسة المكتبية عما يلي:
أولاً: المشاكل في البعد الاقتصادي:
1- استمرار وجود الفجوة التنموية بين المناطق بالخطة الثامنة على ما هي عليه بالخطة الأولى، حيث تمثل كل من (منطقة الرياض ومكة المكرمة والشرقية) مجتمعة من 65- 75% من جملة السكان والمشروعات والعمالة والمرافق التعليمية بالمملكة.
2- ارتفاع معدلات البطالة في المملكة خلال الفترة (1420- 1427هـ) من 8.1% إلى 12% مع وجود فجوة في معدلات البطالة بين الذكور والإناث السعوديين، حيث بلغت للإناث (26.3%) وللذكور (9.1%) وتدني نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة (6.6%)، وهي تعد نسبة ضئيلة جداً مقارنة بالمستويات الدولية.
3- وجود فجوة في الإنتاجية بين العمالة الوطنية والوافدة في معظم الشركات وبنسبة 0.5 إلى 1 على التوالي.
4- وجود فجوة في الأجور بين العمالة الوطنية والوافدة للوظيفة المماثلة وبنسبة 3 إلى 1 على التوالي.
5- وجود تركز للعمالة الوطنية في القطاع الحكومي ورغبة كبيرة من العمالة السعودية للعمل بالقطاع الحكومي.
6- وجود تركز للعمالة الوافدة في القطاع الخاص وتمثل (84%) من العاملين مع ارتفاع معدل نموها بنسبة 5.1% سنوياً خلال الفترة الأخيرة 1416-1426هـ.
7- تمثل العمالة الوافدة الفنية 95% من العمالة الفنية بالمملكة.
8- تدني المستوى التعليمي للعمالة الوافدة، حيث إن (83%) منهم يحملون ثانوية عامة فأقل، بينما تبلغ تلك النسبة في العمالة السعودية 64%.
9- وجود تركز للعمالة الوافدة في ثلاث مناطق، حيث إن 76% منهم يعملون في (الرياض، مكة المكرمة والشرقية).
10- تمثل العمالة الأمية 25% من جملة القوى العاملة بالمملكة.
11- 46% من المديرين السعوديين يحملون ثانوية عامة ودبلوماً متوسطاً.
12- تدني المؤهلات التعليمية للعاملين السعوديين بقطاع الخدمات والزراعة والصناعة، حيث إن (95- 99%) منهم يحملون ثانوية عامة أو دبلوماً متوسطاً.
13- تدني المستوى التعليمي للعاطلين، حيث إن 55% منهم يحملون ثانوية عامة وأقل.
14- تمثل العمالة الوافدة 97% من مهن العمالة العادية غير الماهرة.
ثانياً: المشكلات في البعد التخطيطي:
1 - وجود فجوة في الطاقة الاستيعابية للجامعات السعودية حيث استوعبت في المتوسط (24%) فقط من خريجي الثانوية العامة خلال الفترة من 1416 - 1426 هـ.
2 - وجود فجوة في الإنفاق الحكومي على التعليم الفني الذي يمثل 5% فقط من الإنفاق على التعليم العام، و(3%) من إجمالي الإنفاق على مختلف أنواع التعليم.
3 - معدل نمو خريجي الثانوية العامة 9% سنوياً وهو ضعف معدل نمو المقبولين بالجامعة 4.6% سنوياً.
4 - وجود فجوة في نوعية التخصصات لخريجي الجامعات (76% نظرية، 24% عملية).
5 - وجود ضعف في إسهام القطاع الخاص في التعليم الجامعي 1%، وفي التعليم العام 8%.
6 - وجود ضعف في الطاقة الاستيعابية للتعليم الثانوي الفني إذ استوعب 51% فقط من المتقدمين في عام 2005م.
7 - وجود فجوة في الإنفاق بقطاع التعليم حيث إن 60% منه ينفق على الأجور والمرتبات.
8 - وجود فجوة في البحوث والمعلومات في مجال تنمية تنمية الموارد البشرية من حيث تضارب البيانات بين الجهات وندرة الدراسات والبحوث في هذا المجال.
9 - ارتفاع نسبة الهدر (الفاقد التربوي) في خريجي الثانوية العامة 65% منهم لا يجدون مكاناً لاستكمال الدراسة.
ثالثاً: المشكلات في البعد التشريعي
1 - تعدد الجهات الحكومية المصدرة لقرارات السعودة، وعشوائية وفجائية إصدار بعض القرارات.
2 - عدم تمثيل القطاع الخاص بالقدر الكافي في قرارات تنمية الموارد البشرية وخططها وسياساتها.
3 - وجود اختلافات كبيرة بين في لوائح التعيين والعقود والتوظيف والأجور ومزايا نظامي التأمينات الاجتماعية والتقاعد بين القطاعين العام والخاص سواء أثناء الخدمة أو بعدها.
4 - ضعف التشريعات لتحفيز القطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار بقطاع التعليم مع وجود قيود على نشاطه وتشريعات تفرض رسوماً على التدريب الأهلي.
5 - ضعف تشريعات توصيف مهام الوظائف والمهن بالأسواق.
6 - ضعف آليات متابعة تنفيذ القرارات الصادرة بشأن السعودة أو تشغيل الإناث.
7 - ندرة التشريعات اللازمة لتوجيه الدعم الحكومي للمستحقين فقط وفق ضوابط محددة.
8 - ضعف مستوى التشريعات الحاكمة لسلوك العامل وصاحب العمل بما يضمن انضباط بيئة العمل.
9 - تشريعات حوافز الطلبة تعد من العوامل المؤدية لاختلال التركيب النوعي لتخصصات خريجي الجامعات.
10 - وجود تعارض في أهداف خطة التنمية الثامنة من حيث التوسع الحكومي اللامحدود في مجالي التعليم والصحة وبين توسيع فرص الاستثمار أمام القطاع الخاص، مع وجود اختلاف في رؤى الجهات ذات العلاقة بتنمية الموارد البشرية.
رابعاً: المشكلات في البعد السلوكي
1 - وجود ظواهر سلوكية سلبية في العمالة الوطنية عن نظيرتها الوافدة مثل عدم الاستقرار بالوظيفة بعد اكتساب الخبرة أو الرغبة في شغل الوظائف القيادية دون تدرج وظيفي أو خبرة وضعف الرغبة في العمل دوامين أو التنقل حسب حاجة العمل.
2 - تفضيل العمالة السعودية العمل بالقطاع الحكومي.
3 - تفضيل أصحاب الأعمال العمالة الوافدة عن الوطنية بسبب فجوة الأجور والإنتاجية والانضباط السلوكي.
4 - ضعف إقبال العمالة السعودية على شغل الوظائف والمهن اليدوية أو المهنية.
5 - وجود تمييز وعدم مساواة عند التعيين بالحكومة بسبب الواسطة والتحيز القبلي.
6 - ضعف الرغبة لدى العمالة السعودية في تحسين مهاراتها في اللغة الإنجليزية والحاسب الآلي.
7 - وجود نظرة سلبية لدى غالبية أفراد المجتمع تجاه عمل المرأة والعمل المهني.
وخلاصة القول فإن معظم المشكلات الاقتصادية والسلوكية الحادثة في بيئة الأعمال الآن تعزى بصفة أساسية إلى سلبيات تخطيطية متراكمة من الماضي، فضلاً عن عدم ملاءمة بعض التشريعات التنظيمية القديمة وغير المتسقة مع الظروف والمستجدات الحالية والمستقبلية في بيئة الأعمال، وهو الأمر الذي يؤكد التداخل القوي والترابط الشديد بين الأبعاد الأربعة عند علاج المشكلات التنموية للموارد البشرية، وبالتالي فإن العلاج لأحد الأبعاد منفرداً لا يعطي أية نتيجة، وهو ما يتطلب معالجة للأبعاد الأربعة مجتمعة في آن واحد.
تجارب بعض الدول الناجحة في تنمية مواردها البشرية
وتتلخص هذه التجارب في مجموعة من الحلول المختلفة ولكنها ذات رؤى متشابهة حيث إنها جميعاً تركز على بناء رأس المال البشري اللازم للتنمية، وإن كان لكل دولة سياساتها الخاصة بها والمميزة لها، وذلك على النحو التالي:
1 - التجربة الماليزية: تميزت بإنشاء المدارس الذكية لتعليم الطلبة التقنية الحديثة، مع غرس قيم العمل المنتج في النشء، وكذلك بربط برامج التعليم والتدريب باحتياجات التنمية المحلية وبمواكبة عصر العولمة في آن واحد، وإشراك القطاع الخاص المحلي والأجنبي في وضع سياسات التعليم والتدريب مع الجهات الحكومية، وتحفيز القطاع الخاص المحلي والأجنبي في الاستثمار بقطاعي التعليم والتدريب.
2 - التجربة الكورية: تميزت بدعم الحكومة للجامعات ومراكز الأبحاث لإجراء الدراسات التطويرية للتعليم والتدريب في مجالات محددة، وتنفيذ برامج تدريب مهني تغطي كل المهن والأعمار والمناطق، وفتح الباب دون قيود للقطاع الخاص للاستثمار في قطاعي التعليم والتدريب.
3 - التجربة الهندية: تميزت بالتركيز على قطاع تقنية المعلومات، وتكوين مجلس قومي لتحسين نوعية التعليم والتدريب، والزامية التعليم المجاني حتى نهاية المرحلة الثانوية فقط، وزيادة المخصصات المالية للجامعات واستقلاليتها، والتركيز على النوعية وتوجيه فائض طلاب الثانوي للتعليم الفني.
4 - التجربة الفلبينية: تميزت بتأهيل القوى العاملة للتعامل مع التقنية، وتطوير مؤسسات التعليم والتدريب وتعديل أساليب التعليم من التلقين إلى الابتكار، وتصدير فائض العمالة الفنية للخارج، وأن يكون التعليم باللغة الفلبينية والإنجليزية معاً، والتعاون مع اليابان في مجال التدريب، والاستفادة من برامج التعاون الدولي في مجالي التعليم والتدريب، كما أنها سعت للاستعانة بالمنظمات الأهلية غير الحكومية في إعادة تأهيل الذين لم يجدوا وظائف في سوق العمل لوظائف أخرى.
5 - التجربة الأسترالية: وتميزت بالتركيز على التعليم والتدريب كمفاتيح لتنمية الموارد البشرية والمجتمع ككل، ودمج برامج التعليم الفني والتدريب المهني مع برامج الثانوي العام وربطها باحتياجات سوق العمل، وتبني أنماط جديدة من التعليم مثل التعليم عن بعد والتعليم المستمر والتعليم التعاوني، والتركيز على تدريب المعلمين والمدربين قبل المتدربين، ومشاركة القطاع الخاص في قرارات تنمية الموارد البشرية.
6 - تجارب مجموعة من الدول والشركات في نقل التقنية عبر الشركات المتعددة الجنسية وعابرة القارات: حيث فتحت الصين أبو أبها للاستثمار الأجنبي المباشر لبناء رأس المال البشري، وتولت سنغافورة نقل التقنية عبر جذب الاستثمارات الأجنبية، والربط الخلفي والأمامي للشركات الأجنبية التي تتعامل في منتجاتها (كمدخلات)، والاستفادة من المتدربين بالشركات الأجنبية في بناء شركات محلية، وقدمت شركة انتل منح للطلاب المتميزين في الجامعات والمعاهد العالمية الشهيرة، وتبنت مشروعات مشتركة مع العلماء الصينيين، وقمت شركة تايوتا منح دراسية بمختلف مراحل التعليم، وتقديم إعانات عينية تتمثل في آلات ووسائل التدريب.
ومما سبق تتضح الإجابة عن سؤال لماذا نجح الآخرون في تنمية مواردهم البشرية في فترة أقصر وبتكلفة أقل:
نتائج الدراسة الميدانية
بشكل عام يوجد اتفاق في مرئيات مجمل أفراد العينة تجاه طبيعة المشكلات ونوعيتها وأساليب العلاج المقترحة لها في مجال تنمية الموارد البشرية بأبعادها الأربعة موضع الدراسة، وإن تباينت مرئيات فئات عينة الدراسة في ترتيب المشكلات وأساليب العلاج، إلا أن جميع الفئات أجمعت على أن جميعها كمشكلات وأساليب علاج، على درجة عالية من الأهمية، هذا وقد احتلت سلبيات كل من البعد التخطيطي والتشريعي المرتبة الأولى، من حيث أهميتها كمشكلات، في حين كانت سلبيات البعد الاقتصادي والسلوكي في المراتب الأخيرة، وهو ما يعني أن المشكلات الاقتصادية والسلوكية تعود في الأساس لسلبيات في التخطيط وعدم ملائمة بعض التشريعات، كما أوضحت الدراسة الأهمية الترتيبية لعلاج مشكلات البعد السلوكي والاقتصادي أولاً من خلال تعديلات تخطيطية وتشريعية جديدة، وتؤكد هذه النتيجة أن حل المشكلة يتطلب الدمج بين الأبعاد الأربعة معاً في آن واحد.
الجدير بالذكر أن نتائج تحليل الاستبيان من حيث المشكلات وأساليب العلاج بالدراسة الميدانية تطابقت لحد كبير مع ما توصلت إليه نتائج الدراسة المكتبية في هذا المجال.
هذا وقد توصلت الدراسة إلى الرؤية المستقبلية المقترحة متضمنة الرسالة والأهداف التالية:
الرؤية المستقبلية المقترحة لتنمية الموارد البشرية:
في ضوء ما أسفرت عنه نتائج الدراسة المكتبية والميدانية وتحليل أسباب نجاح الدول الأخرى في مجال تنمية الموارد البشرية، تم اقتراح الرؤية التالية:
(بناء قدرات الموارد البشرية السعودية لاحتلال مكانتها اللائقة على خريطة التنافسية العالمية).
الرسالة المستهدف
إيصالها لمتخذي القرار
إن عملية بناء قدرات الموارد البشرية مسؤولية مجتمعية مشتركة تحتاج لتبني القيادة السياسية للرؤية الجديدة، وأن تلتزم بها كل الجهات ذات العلاقة وبطريقة تكاملية من أجل إحداث النقلة النوعية المستهدفة وصولاً للتنافسية العالمية.
الهدف الرئيسي للرؤية:
هو (إحداث نقلة نوعية في الموارد البشرية السعودية الحالية والمستقبلية لزيادة قدرتها التنافسية محلياً وعالمياً).
هذا وسيتم عرض الرؤية شاملة السياسات والتشريعات المقترحة مصحوبة بالآليات والجهات التنفيذية ذات العلاقة، في الجلسة المخصصة لمناقشة هذه الدراسة ضمن فعاليات المنتدى، كما سيتم نشرها في كتيب خاص ضمن بقية التوصيات النهائية للمنتدى.