إذا كان (المنزل) يُعد المكان الوحيد لممارسة النشاطات الإنسانية، فإن (فراغ العمل) يُعد المنافس الأول له. فالعمل هو النشاط الذي تقوم به من أجل دعم المنزل والأسرة، والمنزل هو المكان الذي نلجأ إليه من أجل راحة أجسامنا استعداداً للعمل في اليوم التالي، ومع أن طبيعة العمل الذي نقوم به تتغير مع الزمن، إلا أن الضغط والإجهاد الناتج من العمل يبدو وكأنه لا ينتهي أبداً.
وبينما يستطيع الموظفون الذين يعملون في مكاتب مستقلة أن ينظّموا فراغ العمل الخاص بهم كي يلائم رغباتهم دون النظر إلى احتياجات الآخرين إلا أن الكثير منا يفتقد هذه الميزة. إذ أن العمل بصفة عامة يعني العمل مع أناس آخرين، ربما يختلفون عنا في عدّة أشياء وقد لا نكون في انسجام دائم معهم. وإضافة إلى حقيقة أن العمل يتضمن إنجاز الأعمال وإنهائها والمهام المطلوبة فإن فراغ العمل يمكن أن يكون مجهداً للغاية.
كما أن بعض الأعمال والمهام الصعبة التي تتطلب هيكل إدارياً صارماً، قد لا تسمح بتكوين فراغ عمل مرن يساعد الموظف على تلبية رغباته، فعلى سبيل المثال (أمين الصندوق أو المحاسب) يعمل في مكان عمل حساس وفعّال فيجب أن يكون له خصوصية داخل مكتبه لكي يستطيع التركيز على إنجاز مهامه وأعماله ليصل إلى الشكل المطلوب منه، وفي المقابل هناك أمثلة أخرى لا تتطلب عملية التشغيل مثل تلك الدقة والحساسية حيث يستطيع الموظفون القيام بتغيير فراغ العمل الخاص بهم وتحسينه كي يلائم احتياجاتهم الشخصية دون أن يكون هناك أي تأثير على كفاءة أداء أعمالهم أو إنتاجيتهم.
كما أن أحقيّة التّفرد للموظف في مكان العمل يزيد من عملية الإنتاج، ولكن في أغلب الأحوال لا يتمتع كثير من الموظفين بهذه الميزة، وقد يرجع ذلك إلى أن بعض المكاتب تعتقد بمقولة بعض النظريات التي تنص على أن كفاءة الموظفين وإنتاجيتهم تعتمد على التنظيم الرسمي الصارم.
إن الهدف الرئيسي في أخذ الاعتبارات التصميمية في المنشآت الخيرية هو محاولة تكييف فراغ العمل وتهيئته من أجل تقليص الضغط والإرهاق الناتج عن العمل، فيجب علينا أن نبحث عن فراغ مناسب بجميع أنواعه وأصنافه.
وبالرغم من أن الخدمة الوظيفية في هذا المجال تطورت وازدادت بشكل سريع، ومع تقدم تقنية المكاتب والأجهزة ومعالجة المعلومات إلا أن الإنتاج الوظيفي للموظف في تناقص وانحدار بدلاً من الزيادة، ومن المحتمل أن تحسين إنتاجية الموظف لن تأتي من جراء تطور تقنية المكاتب. بل من تطوير فراغ العمل نفسه كي يلائم احتياجات الموظف.
وقد أوضحت الدراسات التي اهتمت بمشكلات البيئة المكتبية (من وجهة نظر المستخدمين) أنه خلال العمر الزمني المفترض للمبنى المكتبي النموذجي، قد تم إنفاق ما يقارب 90% من مجموع النفقات المصروفة كمرتبات وأتعاب الموظفين والمستخدمين، بينما 10% فقط خُصّصت لتكاليف التصميم والإنشاء والتشغيل للمبنى نفسه. علماً بأن الأموال المستثمرة في المبنى من أجل جعل الموظفين أكثر حيوية ونشاطاً وفاعليّة يمكن أن تحقق عوائد وأرباحاً تخدم الجهة الخيرية.