«الجزيرة» - عبد الله الحصان
تعد المملكة من ضمن الدول القليلة في العالم التي لم تتوسع في إنشاء مناطق صناعات تقنية. ووفقاً لدراسة فإن السبب الرئيس في ذلك هو عدم وجود استيعاب كامل لمفهوم وفوائد هذه المناطق سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص، مما أدى إلى عدم التوسع في الاستثمار في إنشائها في الماضي، وربما سيؤدي ذلك مستقبلاً إلى بطء إنشائها وعدم التوسع في الاستثمار فيها وإنشائها حتى بوجود تنظيم لها.
وبحسب دراسة لغرفة الرياض تم إعدادها عن مناطق الصناعات التقنية فإن هذه المناطق ستساهم في تنمية صناعات تقنية جديدة ذات ميزات تنافسية عالمية تساهم في زيادة الصادرات وتنويع مصادر الدخل القومي، مما سيؤدي إلى تحويل اقتصاد المملكة إلى اقتصاد قوى لا يعتمد على تصدير موارد طبيعية فقط بل على تصدير منتجات وخدمات معرفية ذات قيمة مضافة عالية.
إضافة إلى ذلك فإن مناطق الصناعات التقنية كونها بيئة أعمال جذابة وحديثة متكاملة الخدمات ستساهم في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية التي تعمل في مجال التقنية إلى مناطق حضرية جديدة تبعد عن مراكز المدن الكبرى وتخفف من الضغط عليها.
وأشارت الدراسة إلى أن مناطق الصناعات التقنية تعد المكان الذي يتوفر فيه البنية التحتية والخدمات المساندة والدعم والحوافز التي تُفَعِّل تكوين التكتلات الصناعية التقنية, والتي بدورها تؤثر على زيادة صادرات المنتجات التقنية (المتوسطة والعالية) وترفع من مستوى الإنتاجية والقيمة المضافة وعدد الوظائف العالية الأجر والتنافسية العالمية المتقدمة، وكل هذا يؤدي في نهاية الأمر إلى زيادة الناتج الإجمالي (باستمرار ودون انقطاع)، وبالتالي إلى التنمية الاقتصادية المستدامة.
وتلخص الدراسة أن الفوائد من إنشاء مناطق صناعات تقنية في المملكة تتمثل في إيجاد فرص عمل جديدة عالية الأجر، تنويع مصادر الدخل القومي وتخفيف الاعتماد على تصدير موارد طبيعية، زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، إيجاد منشآت صناعية عديدة تنتج منتجات وخدمات مبنية على المعرفة وذات قيمة مضافة عالية، توزيع المناطق الحضرية وتوزيع العمران إلى مناطق جديدة بعيدة عن مراكز المدن الكبرى.
وتربط الدراسة من خلال هذه الفوائد التي تعد من ركائز التنمية المستدامة، يوجد علاقة وطيدة بين مناطق الصناعات التقنية والتنمية المستدامة. وان نجاح الصناعات التقنية يتطلب تكوين بيئة معينة يترابط من خلالها الإنتاج، والبحث، والتطوير، وتأسيس الشركات، وتمويل المنتجات وإنتاجها وتسويقها، والخدمات وتكون في مكان واحد. وتتكون هذه البيئة من بنية تحتية حديثة وخدمات متقدمة في الإمكان تجسيدها في إطار عمراني متفاعل صناعياً وعلمياً وتجارياً بما يسمى بمناطق الصناعات التقنية.
أهداف مناطق التقنية عالميا
غالبا ما تخدم أهداف مناطق الصناعات التقنية أغراضاً معينة تحددها الجهة الرئيسة المنشئة لها ومن ذلك:
1- المساعدة في إنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة ذات تقنية (متوسطة أو عالية) تمهيدا لأن يصبح بعضها مشاريع كبيرة.
2- المساعدة في إعادة الهيكلة الاقتصادية في الإقليم (باعتمادها على المعرفة بدلا من المواد الطبيعية).
3- توجيه الاقتصاد الوطني لتبني صناعات وتقنيات معينة ذات أهمية إستراتيجية أو ميزات تنافسية أو نسبية تساهم في النمو الاقتصادي.
4- توجيه النمو الحضري والعمراني (والسكاني) إلى مناطق حضرية جديدة توفر العمل والعيش الكريم، والاستفادة منها كأداة لتخفيف الضغط عن المدن الكبرى القائمة.
5- نقل التقنية.
6- استحداث وظائف (ذات رواتب ومخصصات عالية).
7- استقطاب مشاريع صناعية ذات تقنية (متوسطة أو عالية) لشركات عالمية كبرى (مع اجتذاب ما يرتبط بذلك من استثمارات محلية وأجنبية).
فالجامعات -على سبيل المثال- عادة ما تهتم بنقل التقنية من الجامعة واستغلال مخرجات أبحاثها تجارياً بالإضافة إلى توظيف وتدريب الطلاب والاستفادة من أساتذة الجامعة في مشاريع الأبحاث والتطوير في المنطقة، وهذه الأهداف تختلف عن أهداف حكومة منطقة معينة والتي قد تتمثل في تنمية اقتصاد المنطقة وجذب الاستثمارات والوظائف إليها، ولذلك فإنه من الضروري أن تقوم كل جهة تدرس إنشاء منطقة صناعات تقنية بتحديد الغرض منها قبل الخوض في تفاصيل إنشائها حيث إن الغرض من إنشاء المنطقة الصناعية التقنية يؤثر بطريقة مباشرة في تصميمها وحجمها وطريقة إدارتها وفي أسلوب تمويل تطويرها وتشغيلها لاحقا.
ومن خلال التجارب العالمية والخبرة المتراكمة في هذا المجال سعت العديد من الدول شبه الصناعية والدول النامية المتميزة بنجاحها الاقتصادي التي دخلت في هذا المجال حديثاً مثل الصين والهند وسنغافورة إلى إنشاء مناطق صناعات تقنية، والغرض منها هو توفير البنية التحتية وما يلزم من خدمات للصناعات التقنية، وتعد مناطق الصناعات التقنية من أفضل الأنماط التي تستخدم عندما تكون الجهة المسئولة عن إنشائها هي الدولة، أو جهة عامة تعمل على المستوى الوطني، وليس على مستوى إقليم أو جامعة، كما يعد هذا النمط مناسباً عندما يكون هناك توجه قومي قوي للتحول إلى الصناعات التقنية ذات القيمة المضافة العالية.
دوافع إنشاء مناطق التقنية بالمملكة
تلخص الدراسة الدوافع لإنشاء مناطق الصناعات التقنية في المملكة إلى تنويع مصادر الدخل الوطني والقاعدة الاقتصادية، والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني، تنمية صناعات إستراتيجية وحيوية جديدة وإيجاد منشآت صناعية محلية (وطنية وأجنبية ) تنتج منتجات وخدمات مبنية على المعرفة وذات قيمة مضافة عالية تنافس على المستوى العالمي، استقطاب المصانع (المتوسطة أو العالية) التقنية ومقدمي الخدمات المبتكرة المبنية على المعرفة مع اجتذاب الاستثمارات (المحلية والأجنبية) المرتبطة بها، توفير وظائف جديدة عالية الأجر للمواطنين، توجيه النمو الحضري والعمراني (والسكاني) إلى مناطق حضرية جديدة توفر العمل والعيش الكريم، والاستفادة منها كأداة لتخفيف الضغط عن المدن الكبرى.
وتشير الدراسة إلى انه بناء على مقومات المملكة ومواردها الطبيعية ووضعها العالمي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسكاني، واستنادا إلى خطط التنمية الخمسية، والسياسة الوطنية للعلوم والتقنية، والخطة الوطنية لتقنية المعلومات، والإستراتيجية الصناعية، وإستراتيجية الهيئة العامة للاستثمار فإنه يتحتم الدخول وبقوة في بناء مقدرة صناعية تقنية (متوسطة وعالية) لعدة مجالات ذات أبعاد إستراتيجية للاقتصاد والأمن القومي ومنها: تقنيات الطاقة (البترول-الغاز)، البتروكيماويات المتقدمة، تحلية المياه، الصحة والدواء، التقنية الحيوية، تقنية المعلومات والاتصالات والالكترونيات، البيئة، المواد الجديدة، المنتجات (المتوسطة والعالية) التقنية والخدمات المبتكرة ذات العلاقة بالحج والعمرة، تقنيات زراعة وصناعة التمور.
وتشير الدراسة إلى انه بعد تحديد الصناعات التقنية الملائمة للمملكة والمطلوب تبنيها يصبح موضوع تخصص مناطق الصناعات التقنية سهل الأمر، ويبقى الأمر الذي يحتاج إلى دراسة هو مواقع مناطق الصناعات التقنية لا سيما أن الموقع لابد أن يتوفر فيه مقومات وميزة نسبية تساهم في إنجاح الصناعة التقنية المستهدفة، وانه يجب أن يخضع تحديد مواقع مناطق الصناعات التقنية في المملكة لدراسة المقومات وتحليل نقاط القوة والضعف، والفرص المتاحة والتحديات المحتملة لكل منطقة أو مدينة في المملكة، ومن ثم اختيار المجال أو التخصص التقني لمنطقة الصناعات التقنية المراد إقامتها بها، مع التركيز على أهمية دور الأطراف المعنية كافة - كأمراء المناطق، ومجالس المناطق، والغرف التجارية، والجهات ذات العلاقة بهذه التقنيات وتفعيل دور كل منها.
منطقة لكل مجال إستراتيجي
تقول الدراسة انه يستحسن نظرياًً إنشاء منطقة صناعات تقنية لكل مجال إستراتيجي مستهدف، ولكن من الممكن عملياً دمج بعض المجالات أو المشاريع التي بينها تكامل في منطقة واحدة إذا كانت المساحة كافية، مثل دمج مجالات البتروكيماوية المتقدمة والمواد الجديدة في منطقة صناعية تقنية واحدة، ودمج مجالات المياه والصحة والدواء والتقنية الحيوية في منطقة صناعية تقنية ثانية، إلى جانب دمج مجالات الطاقة والبيئة في منطقة تقنية أخرى... الخ.
وبهذا يكون هناك -مبدئياً - بحسب الدراسة ستة مشاريع مقترحة (مثلا) لمناطق الصناعات التقنية في المملكة:
1- منطقة صناعات تقنية للمعلومات والاتصالات والالكترونيات.
2- منطقة صناعات تقنية للبتروكيماويات المتقدمة والمواد الجديدة.
3- منطقة صناعات تقنية لتحلية المياه والصحة والدواء والتقنية الحيوية.
4- منطقة صناعات تقنية للطاقة (النفط والغاز) والبيئة .
5- منطقة صناعات تقنية لتطوير للمنتجات والخدمات المبتكرة الخاصة بالحج والعمرة.
6- منطقة صناعات تقنية للتمور ومشتقاتها.
تؤكد الدراسة انه بالإمكان تنفيذ البرنامج على مرحلتين، تتكون المرحلة الأولى من ثلاث مناطق تقنية مخصصة لعدة مشاريع من المذكورة أعلاه، في مناطق قريبة من المدن الرئيسية الثلاثة (الرياض، جدة، والدمام)، وتتكون المرحلة الثانية من المشاريع المتبقية في البرنامج (إلى جانب أي مشاريع أخرى تتم إضافتها مستقبلا) في مناطق أخرى مختلفة في المملكة.