Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/11/2007 G Issue 12840
الاقتصادية
السبت 14 ذو القعدة 1428   العدد  12840
شعارها (لا) لثقافة الحفريات والمطبات ودوار السيارات
ينبع... زهرة البحر التي لم تخنقها أدخنة المصانع!

قراءة: فهد العجلان

توطئة: كنت قد دونت جزءاً من هذه الملاحظات في زيارة سابقة مع أحد الوفود الإعلامية إلى مدينة ينبع، ولظروف الركض الصحفي اليومي توقفت عن استكمالها.. لكن حديثاً جانبياً مع أحد الصحفيين الأجانب القادمين لتغطية قمة أوبك الثالثة في الرياض الذي سألني عن مدينة ينبع وأبدى رغبته لزيارتها كان المحرك لاستكمال ما انقطع!

ينبع... بحر من أسئلة تلاطمت أمواجه في رأسينا الزميل منصور عثمان وأنا، كانت الزيارة الأولى لي والأولى له بعد أن تقاسم نسيم البحر ودخان المصانع حروفها... كان أول شواطئها بخيت الرفاعي (أبو صالح) سائق الباص الذي استقبلنا بوجه أسمر معجون بشمس ينبع... ينبع البحر والشمس والشجر والحياة... كان أبو صالح طوال الطريق يحدثنا عن المدينة وتاريخها حديث العاشق عن معشوقته، حديثاً مليئاً بوشوشات البحر لسيفه... كنت أشعر في داخله بالفخر بمدينته ومنجزاتها... حالة قلما تنتجها المدن التي لم يتجاوز عمر ذاكرتها الثلاثة عقود!! كان يقطع أحاديثنا الجانبية ليعيدنا إلى ينبع... حين استنكر أحد الزملاء الإعلاميين أشجاراً على امتداد جانبي الطريق إلى المدينة الصناعية برأ أبو صالح ينبع منها وبلهجته الينبوعية الأصلية قال لنا: (هذي النخيل ما نعرفها!! جايبينها من برا)... بعد أن تجاوزنا ذلك المكان التفَّ بكامل جسده إلينا قائلاً لنا: هذا نخلنا... اره (قالها بتخفيف الراء وتسكين الهاء)... كما ينطقها الينبعاويون!!

خيمة حجر الأساس

ثمة مدن تصبغ طرقاتها وشوارعها بمساحيق الحضارة!! تخلع عن كتفيها حجارة التاريخ!! تتنكر لبداياتها فلا تتجاوز ذاكرتها أرفف الكتب وركام الورق!! ينبع لم تكن أحدها...عرفت ذلك حين رأيت في مدخل المدينة الصناعية الخيمة الملكية!! تلك التي شهدت بذرة حلم ينبع التي غرسها الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1395هـ... لم يبق أحد في ينبع لم يخبرنا عن هذه الخيمة وتاريخها!! رغم الثلاثين عاماً التي تفصلها عن ينبع الصناعية ماتزال شاهدة على أصالة الحلم والوفاء له ولصانعيه..

لم تتخل ينبع عن مكانتها وأهميتها، فكما أنها بالأمس إحدى أهم المحطات المشهورة على طريق القوافل، الطريق التي يسلكها التجار من وإلى الجزيرة العربية، فهي اليوم أحد شريكين (مع مدينة الجبيل) سجل باسمهما أكبر مشروع هندسي في العالم في موسوعة جينيس القياسية!!

ينبع... تميز المكان والزمان

لم يكن يدر بخلد أهل ينبع أن مدينتهم التي اكتسبت اسمها من كثرة الينابيع بها ستغدو يوماً من مدن الصناعة التي يشار لها بالبنان في العالم، وأن التقاء الزمان بالمكان سيجعل من ينبع مدينة الحلم... الحلم الماضي والحالي والآتي... فينبع تمثل الموقع الإستراتيجي على ساحل البحر الأحمر القريب من قناة السويس ودول شمال إفريقيا وأوروبا؛ إذ تقع في منتصف المسافة بين إفريقيا والشرق الأقصى، وتمثل نقطة النهاية الغربية لخطوط أنابيب الزيت الخام والغاز الطبيعي السائل التي تمتد إلى مسافة 1200 كيلومتر، حيث يصدر جزء من الزيت الخام إلى الأسواق العالمية بينما يستخدم الجزء المتبقي مع الغاز الطبيعي وقوداً وخامات تغذية للصناعات البتروكيماوية في ينبع.

مدينة الحلم الذي لا يموت!!

كانت الخطوات الأولى تبحث عن نقطة بداية للحلم... عن بداية السطر لرواية لا تنتهي... حينها كان المسح الشامل يستشرف المنطقة من عل، وكانت الطريق الصحراوية المحاطة بجبال الحجاز والبحر الأحمر هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أرض ينبع التي أضحت بفعل الإيمان والإرادة مرتعاً لاستثمارات بمليارات جعلت ينبع مع شقيقتها الجبيل حضناً لأكثر من 7% من إنتاج البتروكيماويات في العالم!!

هذا الحضن الصناعي الكبير الذي يعرف اليوم باسم ينبع الصناعية يقع على ساحل البحر الأحمر (350 كيلو متر شمال مدينة جدة) متصلاً بخطوط أنابيب نقل النفط الخام بمسافة 1200 كيلو متر من البحر في الشمال إلى البحر في الغرب، ليشكل من ينبع الصناعة أحد أهم المفاصل المهمة في جسد الاقتصاد السعودي... بتوسع ونمو مستمر مكّنها من أن تكون مجتمعاً إنسانياً متكاملاً يصل أعضاؤه إلى ما يقارب 63 ألف مليون نسمة، ونسبة نمو تبلغ 10% سنوياً، وإمكانات حالية تستوعب المزيد من الأعضاء بما يقارب 40 ألف نسمة... هذا التوسع والنمو يستدعي النظر والتأمل في دقة التخطيط ووضوحه... كنت أشعر وخلال الجولة في المدينة الصناعية أن كل شيء في مكانه، وأن لا ثمة تعارض بين الجهات التي تقدم الخدمات، فهي مدينة خالية من ثقافة الحفريات والمطبات الشامخة في وجه المعايير الهندسية ودوار السيارات الناتج عن البحث عن المواقف... ما حدا بالكثير من أهلها أن يسألوا الله بأن يباعد بين مدينتهم وآليات التنظيم والتنفيذ التي ابتلي بها غيرهم!!

ينبع اليوم تنتظر توالد الأرقام بينبع 2 واستكمال مشاريعها، تشهد تدفق المليارات التي ستخلق آلاف الفرص الوظيفية وتغرس ملايين الأحلام... (أربع سنوات لن تزيد) قالها أحد القيادات الصناعية في مدينة ينبع لوالديه حين انتقل للعمل هنا في بدايات حلم المدينة... وحين سألته عن سبب عدم وفائه بوعده قال بلسان الحال لا المقال: لأني لم أنظر إلى رزنامة الأيام فينبع مدينة لا ينتهي فيها الحلم ولا يموت!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد