كتب - عبد العزيز العبيد

في مقابل سنة ونصف السنة فقط سيقدم الهلاليون 22 مليون ريال مقابل خدمات السيراليوني محمد كالون ذي الثمانية والعشرين عاماً. ولا شك أنه وفق اقتصاديات الأندية السعودية فإن إنفاق مثل هذا المبلغ هو تضحية كبرى لأي نادٍ، فهل يستحق المضحَّى من أجله مثل هذا البذل؟!

إن الجواب يبدو واضحاً للمتمعن في الأحوال الفنية البحتة للاعب كالون وللفريق الهلالي؛ فالرؤية من الناحيتين الفنيتين لهذين الطرفين هما الفاصل في مثل هذا التعاقد بغض النظر عن الجدوى الاقتصادية المحتمل اكتسابها للاعب (سيراليوني)؛ حيث لا تحظى جنسية اللاعب بجماهيرية واضحة؛ فهو ليس (نجم شباك) حتى تتهافت الجماهير لحضور المباريات التي يلعبها، وبالتالي تكون التغطية الاقتصادية ولو الجزئية لمبالغ التعاقد الباهظة التي ستصرف في النهاية من حقوق لاعب آخر أو جهة أخرى أو مصروف مفترض مجزية بالفعل.

محمد كالون على الصعيد الشخصي قدَّم مستويات عالية عندما كان يلعب في الدوري الإيطالي، وكان مطلباً كبيراً للفرق؛ ففي خمس سنوات لعب لأندية بولينا وجنوى وكالياري وريجينا وفيتشانزا على التوالي، لعب خلالها 95 لقاءً كلاعب أساسي وثلاث عشرة مباراة كلاعب احتياطي، وسجل في هذه المباريات 35 هدفاً قبل أن ينجح في النقلة الكبرى في تاريخه ويصبح في عداد النجوم بعد أن ضمَّه إنتر ميلان العريق إلى صفوفه ليلعب 24 مباراة أساسياً وثماني عشرة مباراة احتياطياً، سجل خلالها أربعة عشر هدفاً، لتضبطه معامل التحاليل خلال هذه السنوات الثلاث وتثبت تناوله للمنشطات فيوقف ثمانية أشهر عن لعب الكرة.

غادر كالون بعد ذلك إلى نادي موناكو الفرنسي، ولعب للنادي 27 لقاءً منذ البداية، وسبعة لقاءات احتياطياً، ليُعار بعدها إلى فريق الاتحاد السعودي.

إن الأرقام والتاريخ لمحمد كالون حتى حضوره للسعودية، باستثناء إيقافه ثمانية أشهر، كان حافلاً بلا شك ومشرّفاً ويستحق المبالغ التي صُرفت له وعليه لموهبته العالية وإنتاجيته اللافتة، ولكن المشكلات الواضحة بدأت بعد عودته مرة أخرى إلى موناكو ناديه الفرنسي، فخلال موسم كامل 2006 - 2007م لم يلعب خلال 38 لقاءً سوى ستة لقاءات فقط كأساسي، ولم يكمل أي مباراة إلى نهايتها سوى في لقاء واحد فقط، وستة لقاءات أخرى كبديل، وسجل خلال كامل هذه المدة هدفين اثنين لا غير. وفي الموسم الحالي لعب مباريتين فقط ليصبح الطريق مسدوداً في وجهه بعدها ويستغني نادي موناكو عنه طالباً منه البحث عن فريق آخر بعد تدهور مستواه وكثرة إصاباته.

بعد هذا الاتفاق بينه وبين ناديه قام كالون بالبحث عن نادٍ بديل ليذهب للتجربة الإنجليزية التي أمضى فيها تجربة عشرة أيام مع برمنجهام سيتي ليرفض مدرب الفريق ستيف بروس تسجيله وسط إشاعات متفاوتة عن الأسباب، ثم يخوض تجربتين بعدها مع نادي ليستر سيتي وبروتسموث، وكلا التجربتين جانبهما التوفيق، ولم يوافق أيّ من الأندية الثلاثة على تسجيل اللاعب أو الاقتناع بمستواه.

ويتضح من خلال هذه المسيرة، خصوصاً الجزء الأخير منها، حقيقة مستوى كالون الفني والتوافق بين ما يقدمه من مستوى والمبلغ المُبالَغ فيه الذي سيقدمه الهلاليون من أجله.

هذا استعراض للجانب الذي يخصّ اللاعب، أما ما يخصّ النادي فالرؤية الحقيقية ليست واضحة بالفعل في الخانة الشاغرة التي يرغب الهلاليون في ملئها وسط تضارب واضح من أسبوع لآخر، إلا أن التفكير في كالون في حدّ ذاته يعيد الذاكرة إلى الموسم الماضي بعد أن استقدم النادي البرازيلي رودريجاو الذي لعب بجانب ياسر القحطاني وسط تشابه الأسلوبين الفنيين للاعبين على رغم تفاوت المهارة الفردية لصالح ياسر، وكلا اللاعبين يلعبان في نفس المركز، وهو المهاجم التقليدي رقم تسعة، وهو ما يوجب التشابه وليس التكامل في الأداء بين اللاعبين، وهو نفس الأمر الذي ينطبق على كالون - ياسر.

والتركيز على هذا الجانب مهم جداً، خصوصاً أن البديلين لياسر هما العنبر الذي يقوم بدور اللاعب رقم 9 أيضاً والصويلح اللاعب المشاغب الذي يعطي قيمة أكبر للعنبر وياسر في حال مشاركتهما اللعب.

وباستعراض واضح لأشهر الثنائيات العالمية والمحلية سنرى أن التكامل بين اللاعبين هو ما يصنع الفارق؛ كالثنيان - ماجد، وروماريو - ببيتو، والأمثلة كثيرة خصوصاً مع اعتماد اللعب على الخطط التكتيكية التي ينجح فيه الهلال 4-5- 1 (التي حقق الهلاليون بها جلّ بطولاتهم) ومتفرعاتها، وحاجة المهاجم التقليدي (ياسر - العنبر) إلى فك الاختناق عنه لا زيادة التضييق عليه وإفقاده بالتالي ميزته الفنية.

وما على الهلاليين إذا كانوا جادّين بالفعل في التعاقد مع كالون هو أن يخضعوه للتجربة الفنية على رغم أن الوقت لا يسمح بذلك، مع ضرورة تجهيز البديل من الآن ومفاوضته حتى لا يفقدوا عامل الوقت الذي لا يسير في صالحهم، وأن يوفروا عدداً من المباريات الودية القوية لاختبار مستواه؛ فهو قد سبق له أن وافق على أن يفعل ذلك في إنجلترا ولعب خلال محاولاته كسب عقد هناك مباراتين وديتين، وأن لا يتنازلوا عن هذا الشرط نظير المبلغ الذي سيقدّمونه للنجم السابق واللاعب الحالي محمد كالون.