دعيت ومجموعة من الكتاب والإعلاميين الاقتصاديين إلى الملتقى الذي عقدته أمانة منتدى الرياض الاقتصادي تحت شعار (الإعلام ومنتدى الرياض الاقتصادي شراكة فاعلة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة)، ولقد كنت ممتناً بتلك الدعوة على اعتبار أننا جميعاً (الإعلاميون والمنتدى) نعمل في مساحة مشتركة من أجل هدف نبيل واحد، وهو دفع عجلة النمو الاقتصادي في بلادنا قدماً إلى الأمام من خلال البحث والتحليل والتشخيص واقتراح الحلول.
ولقد توقعت حضورا كبيرا وعلى أعلى المستويات الإعلامية حيث توقعت حضور رؤساء الأقسام الاقتصادية في وسائلنا الإعلامية كافة سواء المقروءة أو المسموعة أو المشاهدة فضلا عن الكتاب الاقتصاديين وكتّاب الشأن العام الذين ما برحوا يتعرضون للقضايا الاقتصادية بمستوى متفاوت من العمق، ولكنني تفاجأت بمستوى الحضور كماً ونوعاً، حيث لم يحضر إلا قليل من الكتاب وقليل من مراسلي ومحرري الأقسام الاقتصادية في وسائلنا الإعلامية.ورغم هذا الحضور المتواضع كمّاً ونوعاً إلا أن الحوار كان أكثر من رائع، حيث تطرق الأخوة الإعلاميين لكثير من الأمور التي جعلت من أعضاء مجلس أمناء المنتدى ورؤساء فرق الدراسات يراجعون مواقفهم تجاه التعامل مع الإعلاميين، حيث أبدى أحدهم وهو المحامي عبدالناصر السحيباني المشرف على دراسة البيئة العدلية ضرورة التواصل مع الإعلام ليلعب دوره الحقيقي والمنتظر ليكون أكثر فعالية في إثارة حوارات صحية حول القضايا التي يناقشها المنتدى وحول التوصيات التي يصدرها والقرارات التي تصدر بشأنها، مشدداً على أن علاقة الإعلام مع المنتدى يجب أن تتغير لتنطلق بفاعلية حال انطلاق دورته القادمة.
ما تم في هذا اللقاء ومستوى الطرح الإعلامي الاقتصادي في إعلامنا أثار في ذهني عدة تساؤلات مهمة حول دور الإعلام الاقتصادي السعودي في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في بلادنا والتي اتخذ منها منتدى الرياض الاقتصادي شعاراً له، فهل يلعب الإعلام دوره المنشود والمتوقع؟ وهل يلعبه بطريقة مهنية؟ أي هل يطرح إعلامنا القضايا الاقتصادية بعمق يتناسب وحجم تلك القضايا وحجم الاقتصاد السعودي والمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية؟ والسؤال الأهم هل يبذل العاملون في الأقسام الاقتصادية جهوداً بحثية واستقصائية كبيرة للوقوف على القضايا الاقتصادية بكافة متغيراتها لطرحها بالصورة المطلوبة؟
أعتقد أن الإعلام الاقتصادي ضعيف جداً قبل الطفرة التي شهدتها سوق الأسهم ابتداء من عام 2003م، ونتيجة لاهتمام المواطن بسوق الأسهم بدأت الصفحات والبرامج الاقتصادية في وسائلنا الإعلامية تتطور (كمّاً) حتى أصبحت مؤثرة في شريحة المتعاملين في الأسهم خصوصاً قبل الهبوط الحاد للأسهم السعودية، وبظني أن هذا التطور في الصفحات والبرامج لم يواكبه تطوراً موازياً في العاملين في الأقسام الاقتصادية مما جعل الطرح يعتمد على الكم ولا يعتمد على النوع، مما كان له آثار سلبية على الفكر الاقتصادي في بلادنا.
برأيي أن الفكر والسلوك الاقتصادي في بلادنا يحتاج لإعادة تشكيل لنكون قادرين على الولوج في عصر العولمة الاقتصادية ونحن أشد عوداً لنتمكن من المنافسة، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى إعلام اقتصادي قوي قادر على طرح القضايا الاقتصادية بعمق تحليلاً وتشخيصاً وفكراً ومتابعة، وبظني أن هذا لن يكون إذا لم تقم وسائلنا الإعلامية بجهود كبيرة لاستقطاب وتأهيل الإعلامي الاقتصادي المحترف، وإذا لم تقم بتشجيع الاقتصاديين من أصحاب المعرفة والخبرة للكتابة في صحفنا من خلال دعمهم بمراكز المعلومات ومكافأتهم مالياً بما يتناسب ومكانتهم وخبراتهم، وإذا لم تقم وسائلنا الإعلامية أيضاً بالتعاون مع كافة القائمين على الأنشطة الاقتصادية الفكرية، ذلك بأن فاقد الشيء لا يعطيه إذ لا نتوقع من إعلامي سطحي أن يعيد تشكيل الفكر والسلوك الاقتصادي في بلادنا.
مصطلح (كاتب اقتصادي) حقيقة مصطلح غير مشجع للقارئ على قراءة مقال، ذلك أن الكاتب الاقتصادي يكتب من خارج رحم الممارسة، أما رئيس مجلس إدارة شركة كذا أو الرئيس التنفيذي لشركة كذا أجزم بأنه يكون مشجعاً للقارئ على القراءة ذلك بأن كاتب يكتب من رحم الممارسة والمعاناة والعوائق والتحديات، وهو ما يجعل الأنشطة الفكرية الاتصالية التي تنطلق من الشركات أكثر نجاحاً وكفاءة من تلك الأنشطة التي تنطلق من مؤسسات فكرية ذات اهتمامات متعددة، ولكن كلنا ثقة بأن الكاتب الذي يذيل اسمه بالرئيس التنفيذي لشركة كذا لن يتحفز للكتابة بمبالغ لا تشكل بالنسبة قيمة عشاء فاخر في فندق خمسة نجوم.
ختاماً كلي أمل ورجاء بالقائمين على الوسائل الإعلامية أن يعملوا على تطوير قدرات العاملين في مختلف الأقسام ليكونوا أكثر معرفة ومهارة وخبرة؛ ليتمكنوا من القيام بمهامهم على خير وجه بالشكل الذي يجعل الوسائل الإعلامية سلطة رابعة حقيقية، سلطة قادرة على التشخيص وعلى التفكير وعلى الحث بما يحقق الأهداف التنموية المنشودة.
كما أتمنى أن أرى أكثر كمٍّ من الاقتصاديين الذين لا يزالون على رأس مؤسساتهم أو شركاتهم أو خرجوا منها يشاركون في الكتابة بصفة مستمرة، وأن تقدر المؤسسات الصحفية جهودهم وتدفع لهم في المقابل ما يوازي قيمة كتاباتهم، فالمنفعة الناتجة عن ذلك للوطن كله تزيد كثيراً جداً عن المدفوع لهم.
alakil@hotmail.com