ستظل القمة الثالثة لأوبك محطة مهمة في مسيرة هذه المنظمة التي تقترب من العقد الخامس من عمرها، من جهة الأجواء الدولية التي انعقدت فيها، والتأكيدات من داخلها على ضرورة عدم استغلال النفط في المزايدات والصراعات السياسية، ومن ذلك تأكيد خادم الحرمين الشريفين على أن النفط (طاقة للبناء والعمران وليس وسيلة للنزاع والأهواء).
هناك بالطبع ثروات هائلة من عائدات هذه المادة الحيوية، مصدر الطاقة الأول في العالم، وهي ستستمر في احتلال هذه المرتبة المتقدمة طالما لم تتوافر حتى الآن بدائل لها، غير أن تراكم هذه الثروات لا يعني انصرافا عن هموم العالَم أو المضي قدما في تكديس الأموال دون النظر إلى أوضاع الآخرين في المحيط الدولي، ففي هذه الأيام بالذات مع الفورة الكبيرة في الأسعار التي لامست حاجز المائة دولار للبرميل، تزداد المصاعب لدى الدول النامية عموماً للوفاء بفاتورة النفط الباهظة الثمن، لكن قبل هذا الارتفاع ومنذ 32 عاماً بادرت أوبك إلى تخصيص جزء من مداخيلها لتقديم العون للدول الفقيرة والنامية من أجل مساعدتها في دفع عجلة البناء والنماء، وقد كانت تلك فكرة صندوق أوبك للتنمية الذي تعتبر المملكة أكبر المساهمين فيه بنسبة 36 بالمائة، حيث استثمر الصندوق 8 مليارات دولار في الدول النامية، ويستعد حالياً لضخ ثلاثة مليارات دولار كمساعدات واستثمارات في تلك الدول..
كانت المملكة أيضا سبّاقة في التقدم لدعم البحوث ذات الصلة بالوضع البيئي بمبادرة مُقدَّرة من خادم الحرمين الشريفين الذي أعلن تخصيص 300 مليون دولار من أجل التصدي لمهددات البيئة العالمية، مع تأكيده على ضرورة مناقشة مسألة البيئة بموضوعية وبعيداً عن الضغوط والمؤثرات..
وفي هذا المقام يتحقق أيضا المنظور الإنساني الذي تحرص عليه أوبك ممثلة في هذه المبادرة السعودية باعتبار أن أكثر المتضررين من الاضطرابات البيئية هي الدول الفقيرة التي لا تملك الوسائل اللازمة للتصدي للكوارث الطبيعية التي يقال إنها ناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض..
وتدرك أوبك فيما يتصل بارتفاع الأسعار الحالي أن عوامل عدة خارجة عن مسؤولية المنظمة هي وراء هذا الارتفاع، وهذا أمر معروف لدى كل الدوائر ذات الصلة بالأسواق النفطية، وذلك رغم أن التضخم الحالي يعطي أسعاراً ليست بعيدة عن الأسعار التي كانت سائدة في مطلع الثمانينات من القرن المنصرم، كما تدرك أوبك أن تعاظم الأسعار كما هو ليس في مصلحة المستهلكين فهو أيضا ليس في مصلحة المنتجين، الذين يتعين عليهم دفع أسعار أعلى لما يستوردونه من تقنيات التنمية التي تركز عليها الدول المنتجة كثيراً باعتبار أن النفط ثروة ناضبة.. إن كل الشؤون الدولية تستوجب وجود صوت العقل والحكمة الذي يستصحب مبادرات قوية وشجاعة تدفع نحو تغليب النوايا الحسنة وتعبر عن الاستعداد للمشاركة الجماعية من أجل إنجاز يفيد الإنسانية جمعاء.. وقد شهدت القمة التعبير عن مواقف ومبادرات من قِبل خادم الحرمين الشريفين تصب في هذا الاتجاه.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244