كلما سنحت لي الفرصة بمشاهدة لقطات أرشيفية من مباريات المنتخب السعودي، أو نادي الهلال التي شارك فيها الكابتن يوسف الثنيان، تذكرت معضلة (صانع السوق) التي قَصُر عن استيعابها بعض الاقتصاديين، وأنكر أهميتها ثلة من المختصين في سوق المال السعودية شاهدت يوسف الثنيان في بداية حياته الكروية ، كان عبقرية فذة سبقت عصرها؛ شعلة من النشاط.....
.....ومستودع المهارات الكروية. أدخل على كرة القدم السعودية فنا جديدا من فنون الإبداع الرياضي الراقي والفن الأصيل. امتاز الثنيان بصناعته للعب، وتسجيل الأهداف، وانتشال فريقه، والمنتخب من بعض الهزائم المؤكدة، وكان يميز بفطنته نوعية زملائه المهاجمين، فيصنع لكلٍ منهم كرته التي تتناسب وإمكاناته الرياضية، أي أنه يبدع من خلال الإمكانيات المتاحة، فيعظم أداء المجموعة من خلال المهارة، أو كما يقول أساتذتنا الاقتصاديين :الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة). الثنيان امتاز بالإبداع، والإمتاع المزدوج، يُمَتِّع نفسه أولا، ثم الفريق والجمهور، ومن خلال الإبداع والإمتاع يصنع اللعب ويحقق الأهداف المرسومة بكل دقة واحترافية.
(الإمتاع والإبداع) هو الرابط الحقيقي بين صانع اللعب يوسف الثنيان وبين صانع السوق الذي طال انتظاره!. فالثنيان لعب في مرحلة الهواة التي شحت فيها الأعطيات والهبات، وعقود الملايين الضخمة، ولم يمنعه ذلك من ممارسة هوايته، فأبدع بمهاراته الرياضية الخرافية وأمتع نفسه والآخرين.
صانع السوق ليس بعيداً عن فلسفة صانع اللعب الثنيان، على أساس أنه يفترض فيه الإبداع الذي يتضمن الكفاءة المالية والمقدرة الاحترافية، والإمتاع الذي يمكن أن تمثله الأرباح الصافية الناتجة عن عمليات صناعة السوق. يخطئ البعض حين يظن أن صانع السوق يجب أن (يتكبد خسائر فادحة من أجل حفظ توازن سوق الأسهم)، أو أن (يعوض الآخرين عن خسائرهم المالية)؛ هو اعتقاد لا أساس له من الصحة استُخدم، بقصد أو من دون قصد، لتبرير غياب صانع السوق الحقيقي عن سوق الأسهم السعودية. فصانع السوق هو أحد اللاعبين الرئيسين في سوق التداول إلا أنه يتميز عنهم بالمقدرة الفائقة على حفظ توازن السوق ضمن نطاقات سعرية مقبولة بعيدة كل البعد عن الشطحات الحادة من خلال كفاءته في مجال التداول، وملاءته الاستثمارية والمالية الضخمة، وما يتحصل عليه من دعم رسمي مباشر في كثير من الأحيان.
وصانع السوق الذي نتحدث عنه يمكن أن يكون متداولا عاديا في الأوقات العادية إلا أنه يتحول في أوقات الخروج الحاد عن نطاقات حركة التداول المتوازنة، أو في أوقات الأزمات إلى أداة لحفظ توازن السوق والنأي بها عن الانحرافات الحادة في كلا الاتجاهين، الأعلى والأسفل. ففي حالة العروض الضخمة المؤثرة يتدخل بالشراء المقنن الذي يضمن عدم كسر نقاط الدعم الخطرة، أما في حالة الطلبات القياسية فتدخله يكون منظما لتلبية الطلبات كي يضمن عدم اختراق الأسعار نقاط المقاومة الأكثر قوة، وكل هذا يحدث لضمان استقرار السوق وعدم خروجها من النطاقات المقبولة للتغيرات الفنية والأساسية لشركات السوق خاصة والاقتصاد الكلي على وجه العموم. ويمكن أن يعين صانع السوق وفق الأنظمة الرسمية، ويمكن أن يكون متطوعا، وفي الحالتين يجب أن يكون صانع السوق حياديا ويقدم مصلحة السوق العامة على مصلحته الخاصة الضيقة وذلك في الأمور الطبيعية، أما في أوقات الكوارث والعياذ بالله، فالمسؤولية تقع على القيادات المالية بوجه الخصوص.
f.albuainain@hotmail.com