Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/11/2007 G Issue 12827
مقـالات
الأحد 01 ذو القعدة 1428   العدد  12827

المخاوف
د. سلمان بن فهد العودة

 

العاصفة العنيفة التي ضربت البلاد؛ لم تكن هي التحدي الأول، ولن تكون التحدي الأخير، فالأزمة جزء من الحياة، وقد قال الحكيم سبحانه لأبي البشرية: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه: من الآية 117).

بيد أن معالجة الأزمة هي جزء من العبودية، على الطريقة العمرية: (نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ).

ومن المناسب تسمية أحداث العنف ب (الموجة)؛ لأنها مندفعة تحاول كسر ما أمامها، ولأنها ترتد بعد فترة، ثم تعود مرة أخرى لتكون موجة جديدة.

إنها كأمواج البحر في مواجهة الصخور، ترتد ولكنها تحفر على المدى الطويل، وترتد لتعود مرة أخرى.

ولذا فليس من الحكمة الركون والإخلاد، أو التعامل وكأن كل شيء انتهى، وكل شيء على ما يرام.

ويتأكد هذا حين ندرك أننا نعيش في منطقة غير مستقرة، بل هي برميل بارود على صفيح ساخن، وهناك كثيرون لا يريدون للمنطقة أن تستقر.

إن الاستقرار معناه البناء والنهوض والتعليم والنمو الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي، والتطوير, ورسم البرامج والخطط والمشاريع، وهذا يؤذيهم.

فلتظل منطقة الخليج ميداناً للصراع، ولتخرج من حرب لتنشغل بالتحضير لحرب أخرى، وليكن في إنهاكها وانهماكها في الشأن الداخلي ما يشغلها عمّا وراء ذلك.

ولعل حرب الخليج الثالثة كما يمكن أن نسميها هي أحدث المخاوف، فالتحضير الأمريكي لضرب إيران تحت ذريعة السلاح النووي, ومع إعلان أن الأمن الإسرائيلي هو الدافع الأساس لهذه الحرب، يعني الزجّ بالأمن الإسلامي والعربي والخليجي في هاوية سحيقة.

إنه لا يمكن تصور أبعاد هذه الحرب، خاصة بعد الذي حدث ويحدث في العراق، بيد أن التوتر والقلق الذي تحدثه في النفوس سيجعلنا أمام موجات جديدة من العنف، لا يمكن التنبؤ بصفتها ولا حتى بمصدرها.

وإذا كان البعض يرجو من وراء هذه الحرب كسر قوة الامتداد الإيراني الإقليمية، فإن آخرين يخشون أن تكون سبباً في تفجير الأوضاع المستقرة في بلاد عديدة، وإنهاء حالة التعايش والموادعة والهدوء القائمة في مجتمعات خليجية وعربية وإسلامية تتفاوت مكوناتها، وتتعدد طوائفها، وتختلف مذاهبها، ولكنها يمكن أن تتفق على مصالح الدنيا، وأن تتحاور على مواطن الخلاف بالحسنى والحكمة والقول اللين، والقول السديد، بل والقول البليغ، ولكنها ليست بحاجة إلى أن تتحارب وتتفانى على هدف مجهول!

الحرب مكروهة في الفطر السوية, ما لم تكن حرباً تمليها الضرورة التي لا مخلص منها، ولا بديل عنها.

وقد قال الحق سبحانه عن القتال الشرعي: {وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } (البقرة: 216)، فكيف بما ليس كذلك.

وكان السلف يحبون أن يتمثّلوا عند الفتن بهذه الأبيات، كما في صحيح البخاري:

الحَربُ أَولُ ما تَكونُ فتيَةً

تَسعى ببزَتِها لِكُلِ جَهولِ

حتى إذا استَعَرَت وشَبَّ ضِرامُها

عادت عجوزاً غيرَ ذاتِ خليل

شمطاءَ جَزَّت رأسَها وتَنَكَّرَت

مكروهةً للشَّمِّ والتقبيلِ

ليست إيران بحاجة إلى أن تشهد مصيراً مظلماً كالعراق، ولذا يتوجب عليها أن تسعى لتفادي الحرب دون مغالطة, أو خداع للنفس، وألا تسمح للحماس غير المدروس أن يرسم مواقفها.

والدول العربية ليست بحاجة إلى المزيد من المتاعب الداخلية، والخسائر المادية، والمخاطر المحدقة، والفواتير الباهظة، والمهمة هنا يجب أن تكون بناء الجسور، ودعم تيارات الاعتدال في إيران، وفي الولايات المتحدة, والنأي بنفسها عن الحرب.

حين تقع الواقعة سنختلف، وتذهب بنا الآراء كل مذهب, وسيعلو الصياح، ويأتي دور المحلّلين العسكريين والسياسيين، ويطيب الجو لأرباب الحناجر وأصحاب الخناجر!

سننقسم إلى معسكرات واتجاهات، وستكون الشعوب في محنة أخلاقية وفكرية نادرة، وسيوجد من يؤجج هذا الصراع بحسن نية أو بسوء نية، وستضرب الحيرة عقول الكثيرين فلا يدرون إلى أين يذهبون؟ ولا ماذا يقولون؟ ولا مع مَن يقفون؟

أما قبل حلول الكارثة فالظن أن أكثر الناس يؤثرون السلامة على المغامرة، ويدركون أن الحصول على السلاح بأنواعه لم يعد مستحيلاً لضمان توازن القوة، وأن إمكانية الوسائل السلمية والسياسية ما زالت قائمة، فلماذا لا تتحالف هذه القوى جميعها في وجه الحرب وضد دعاة الحرب؟ أم أن السنَّة جارية ولا يعتبر الخالفون بمصير السالفين، وكأن الأمر كما قال الله سبحانه: {مَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (يونس: من الآية101).

إن أمريكا ما زالت تنزف في العراق، وهي ترى أثر رعونتها، وإعراضها عن الحكمة، وانسياقها في ركاب المتصهينين.. فأي معنى للتهديد بحرب أخرى؟

وإن إيران، وإن أفلحت في توظيف الصلف الأمريكي لكسر عدوها في أفغانستان ثم في العراق، إلا أنها الآن أمام تحد مختلف يتعلّق بحفاظها على مكاسبها ومصالحها ووجودها.

اللهم احفظ بلاد العرب والمسلمين جميعاً من كل سوء، وأدم عليها أمنها ووحدتها وعافيتها، وافتح لها أبواب الخير والفضل والرحمة يا أرحم الراحمين.

salman@islamtoday.net
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6847 ثم إلى الكود 82244

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد