شهدت بلادنا في فترة التسعينيات تباطؤاً في تنمية البيئة التحتية مقارنة بمعدلات النمو السكاني ومعدلات الطلب على خدمات البنية التحتية وذلك بسبب انخفاض إيرادات النفط المقرون بزيادة الضغط على الموازنة العامة، وهو ما يؤكد على عدم سلامة سيادة القطاع الحكومي المعتمد على الإيرادات النفطية في قيادة الاقتصاد الوطني على حساب القطاع الخاص المعتمد على قوى السوق، وهو مؤشر يوضح عدم نجاحنا في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تعني تدبيراً للموارد المتاحة بالبلاد بشكل عقلاني ومتوازن، مما يسمح بتلبية حاجيات المجتمع المتزايدة مع المحافظة على مصالح الأجيال المقبلة.إن مفهوم التنمية المستدامة - التي يجب أن نحققها - يشير إلى ضرورة تلبية حاجيات المجتمع المتزايدة بالتدبير العقلاني للموارد المتاحة، كما يشير إلى قيمة أخلاقية في غاية الأهمية وهي المساواة بين الأجيال؛ فالتنمية المستدامة بالنسبة لأفراد المجتمع تعني الطموح إلى غد أفضل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما لم نستطع تحقيقه خلال فترة التسعينيات - حيث وصلت أسعار النفط إلى ما دون التسعة دولارات - لعدم استغلالنا لفترة الأربعين دولار بما يؤسس لقطاع خاص قوي قادر على قيادة الاقتصاد الوطني، قطاع يعمل في كافة القطاعات الاقتصادية من خلال دورات مالية متتالية لا تتأثر بذبذبة الإيرادات النفطية.
والسؤال المهم: كيف نجعل القطاع الخاص - كما هو الحال في الدول المتقدمة - قائداً لاقتصادنا الوطني؟ رؤية وزارة الاقتصاد والتخطيط تقول: (سيكون الاقتصاد السعودي بحلول عام 2025م متنوعاً ومزدهراً يقوده القطاع الخاص ويوفر فرص عمل مجزية وتعليماً عالي الجودة وعناية صحية فائقة إضافة إلى المهارات اللازمة لرفاهية جميع المواطنين وحماية القيم الإسلامية وتراث المملكة الثقافي) وهذا يشير لقناعة حكومية وإرادة سياسية لتحقيق هذه الرؤية التي ستنعكس إيجاباً على تحقيق التنمية المستدامة في بلادنا.
هذه الرؤية المدعومة بالقناعة الحكومية والإرادة السياسية تحتاج لبرامج عمل في مسارات استراتيجية تنفذ من قبل من كافات القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية وإلا فإن هذه الرؤية لا تعدو عن كونها أماني أو تطلعات، وما يقلقنا كاقتصاديين حقيقة أننا لا نرى خطة استراتيجية معلنة واضحة المسارات محددة البرامج تقيم بشكل دوري، وهو ما يشير إلى أن الجهود لازالت مبعثرة وغير متكاملة ولا متناسقة، وأن الاجتهادات لازالت سيدة الموقف، بل ما يقلقنا أكثر أننا نرى مشاريع حكومية تخالف استراتيجية الخصخصة المعلن، كما نرى أن الحكومة لازالت تتمسك بحصتها الكبرى في الكثير من الشركات الخاصة.في مؤتمر اليورموني الأول للتمويل الإسكاني أشار أحد المشاركين - وهو ممثل لإحدى الجهات التمويلية - لندرة الشركات العقارية العملاقة القادرة على تطوير وحدات سكنية كثيرة ومتنوعة كأحد الأسباب الرئيسة لعزوف البنوك والشركات التمويلية عن التوسع في الاستثمار بقطاع التمويل الإسكاني وهو ما أدى لشح آليات التمويل الإسكاني، ما أفضى إلى فجوة كبيرة متزايدة بين المطلوب والمعروض من الوحدات السكنية وتفاقم الأزمة الإسكانية، وهنا يتضح لنا أن ندرة شركات التطوير الإسكاني القيادية أدى إلى ضعف دور القطاع الخاص في قيادة السوق الإسكانية، وبقاء القطاع الحكومي قوياً وقائداً لهذه السوق رغم عدم قدرته على الوفاء بطلبات المواطنين الإسكانية.
لماذا ندرة الشركات القيادية أدى إلى عزوف الممولين؟ المشارك ذاته يقول: إن ندرة تلك الشركات أدى إلى غياب الجهات القوية القادرة على تقديم مقترحات مدعومة بنماذج ناجحة لمعالجة معوقات نمو السوق الإسكانية التي ترفع من درجة مخاطرها، وفي حال بقاء تلك المعوقات في الممولين يعزفون عن تلك السوق تلقائياً.
إذن للشركات القيادية في كافة القطاعات الاقتصادية دور كبير ومهم ومنتظر في تحقيق التنمية المستدامة، حيث من المتوقع من هذه الشركات قدرتها على تحديد المعوقات الاستثمارية في القطاع الذي تعمل به، ومن ثم تقديم مقترحات علاجية مدعومة بنماذج وتجارب ناجحة للجهات الحكومية المنظمة من أجل تحديث واستكمال التشريعات والأنظمة والإجراءات اللازمة لمعالجة العوائق وتعزيز قوى السوق لتلعب دورها في توفير المنتجات والخدمات عالية الجودة بأسعار معقولة تتناسب وقدرات المواطنين الشرائية.كما ننتظر أيضاً من تلك الشركات القيادية أن تنفذ أنشطة اتصالية فكرية (مؤتمرات، منتديات، ورش عمل، محاضرات.. إلخ) لإثارة حوارات صحية موضوعية حيال المعوقات والدور المنتظر من الجهات ذات الصلة بتلك المعوقات للتصدي لها، كما ننتظر منها أيضاً أن تدعم مثل تلك الأنشطة إذا قامت بها جهات حكومية أو منظمات غير ربحية.
ورغم أننا ننعم اليوم بشركات قيادية في بعض القطاعات الاقتصادية مثل (سابك، أرامكو، الاتصالات السعودية، الكهرباء، دار الأركان، مصرف الراجحي.. إلخ)، ورغم أن هذه الشركات تلعب هذا الدور المنتظر بشكل كبير حيث ساهمت مساهمة كبيرة في تطوير القطاعات الاقتصادية التي تعمل بها وساهمت برعاية معظم المنتديات والمؤتمرات التي تنظمها الجهات الحكومية وغير الربحية حتى بتنا نرى هذه الأسماء تتكرر بشكل كبير، أقول رغم ذلك إلا أننا في المملكة لازلنا نفتقر للشركات القيادية المتعددة في قطاعاتنا الاقتصادية والقادرة على التعاضد والتكاتف لتحسين البيئة الاستثمارية وتحقيق التنمية المستدامة، وأعتقد أن على الحكومة ممثلة بوزارة الاقتصاد والتخطيط أن تضع خطة كمية لرفع عدد الشركات القيادية السعودية في كافة القطاعات الاقتصادية لتلعب دورها الكبير في تحقيق رؤية الوزارة المنشورة على الصفحة الرئيسة في موقعها الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية.
alakil@hotmail.com