الأربعاء الماضي سجل اليورو أعلى ارتفاع له أمام الدولار بعد أن خفض الاحتياطي الفدرالي الأمريكي معدل الفائدة بربع نقطة مئوية إلى (4.50) في المائة ما انعكس إيجابياً على سعر برميل النفط الخفيف الأمريكي الذي اخترق حاجز 96 دولاراً للبرميل في اليوم التالي. وبما أن تسعير النفط يتم بالدولار ومعظم عملات أعضاء أوبك مرتبطة بالدولار فإن ضعف الدولار سوف يكون له انعكاسات سلبية على اقتصاديات دول الخليج خاصة وأوبك عامة. لقد تغيرت الظروف الاقتصادية وتغير سلوك منظمة الأوبك تبعاً، لذلك فلم يعد ارتفاع سعر النفط يؤثر بالحدة نفسها كما كان في السبعينات بعد أن استوعبت كبرى اقتصاديات العالم آثاره ما جعل فرضية ارتفاع أسعار النفط أنها سوف تحدث ركوداً اقتصادياً أو ترفع من نسبة التضخم المستورد في السعودية ودول الخليج غير مقبولة عند مقارنتها بتأثير الدولار الهزل على عملاتها والذي لم يعد يصمد في وجه العملات الأوربية. إن تلك الأسعار المرتفعة في قيمتها الإسمية أصبحت لا تثير فزعاً في الأسواق العالمية بل إن البلدان المستهلكة أصبحت شبه مقتنعة منها ولم تعد تتظلم بالقدر الذي شاهدناه في العقود الماضية إلا في نطاق سياسي ضيق. إن أكبر شاهد على ذلك تصريح البيت الأبيض في يوم الجمعة الماضية بأن أسعار النفط مرتفعة جداً ولكنه قال سوف يستمر في تلقي طلباته من النفط ولن يستخدم مخزونه الإستراتيجي في وجه ارتفاع الأسعار ولن يدعو الأوبك أن تزيد إنتاجها ما يدل على نوع من القناعة بأن الأسعار الحالية تتناسب مع الظروف الاقتصادية والسياسية القائمة وليس بحوزة الأوبك ما تقدمه لتلافي هذه الارتفاعات.
إن النفط لم تعد السلعة ذات الوزن الثقيل في هذا العقد ولن تكون في العقود القادمة بعد أن أصبح أعظم اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك للنفط يطبق سياسات نقدية وسياسات أخرى ترفع من فاعلية استهلاك الطاقة ويستعمل بدائل الطاقة المتجددة ما قلص من أهمية أسعار النفط ووزنها. أنها فعلاً لمفارقة بأننا نصدر النفط وفي الوقت نفسه نحن أكبر دولة مصدرة له ونملك أكبر احتياطي نفطي مثبت في العالم ومؤشراتنا الاقتصادية المحلية لا تقارن نسبياً بالمؤشرات الاقتصادية الأمريكية المسؤولة عن عدم استقرار المنطقة وعن تدهور عملاتها, حيث ارتفعت مؤشراتها الاقتصادية في الربع الثالث لهذا العام عند معدل إجمالي لناتجها المحلي الحقيقي بلغ (3.9) بالمائة بينما كانت نسبة ارتفاع معدل التضخم لا تتجاوز (0.8) في المائة من الفترة نفسها وعند معدل أقل مما توقعه الاقتصاديون أي إن معدل التضخم ما زال منخفضاً عند معدل (1.8) بالمائة سنوياً ومع ذلك ارتفع معدل الإنفاق على البناء والتشييد من (0.2) بالمائة في شهر نوفمبر إلى (0.3) بالمائة وكذلك ارتفع معدل التوظيف.
أما نحن فسياساتنا النقدية والمالية ثابتة والتضخم يتصاعد يوماً بعد يوم بنسبة تفوق نسبة النمو الاقتصادي ما نتج عنه غلاء الأسعار, نقص في رفاهية المواطن الاقتصادية, انخفاض حاد في القوة الشرائية على أسواق الجملة والتجزئة ما قد يتسبب في انكماش اقتصادي على مستوى المنشآت الصغيرة والمتوسطة قبل أن تعلن إفلاسها. لقد تعاملت الولايات الأمريكية في سياساتها الاقتصادية مع الأحداث مباشره فلم تنتظر حتى تتفاقم مشكلة الرهن العقاري بل إنها بادرت في التعامل معها باتباع سياسات نقدية فاعله تتناغم مع اتجاهات اقتصادها وعلى فترات متتابعة فكان تخفيض أسعار الفائدة بشكل متوازن أدى إلى تماسك ونمو اقتصادها حتى إنها تجاوزت أخطار الرهن العقاري والركود الاقتصادي. إن سياساتها فعلاً مفيدة لها فخفض سعر الفائدة زاد من معدل السيولة عن طريق القروض الرخيصة وخفض من قيمة عملتها ما زاد أيضاًَ من الطلب على صادراتها من دول العالم وخفض من وارداتها ما جعل اقتصادها ينمو رغم قضية الرهن العقاري ورغم ارتفاع أسعار النفط وبنسب متصاعدة. أما على صعيد فعالية استعمال الطاقة فقد انخفضت نسبة الطاقة من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي من (14) بالمائة في عام 1981م إلى (9) بالمائة في عام 2006م حيث إن دولاراً واحداً من الإنتاج يستهلك فقط (50) بالمائة من الطاقة الآن مقارنة بما كان عليه في عام 1981 كما جاء في تقرير إدارة معلومات الطاقة, ما يشير إلى إن النفط لم يعد له وزن ثقيل كما كان عليه في السبعينات.
إن محاولة أوبك مهما كانت لتأثير على الطلب على نفطها (إجمالي الطلب العالمي مطروحاً منه إجمالي إنتاج غير الأوبك) عن طريق زيادة إنتاجها لن تطفئ لهيب الأسعار ولن تبوء بالنجاح إلا مؤقتاً عندما يغير المضاربون مراكزهم ويعملون على رفع الأسعار مرة ثانية للعقود الآجلة. إن الاتجاه العالمي للاستثمار في قطاع البتر وكيماويات المرتبطة أسعاره بأسعار النفط قد ساهم بحد كبير في زيادة الطلب على النفط وساعد على تنشيط المضاربة في أسواق النفط. ناهيك عن تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية الذي دعم نموها الاقتصاد ما رفع من الطلب على الطاقة, فكلما ارتفع معدل استهلاك الطاقة كلما حفز المضاربين على رفع الأسعار بناء على توقعاتهم بأن الطلب سوف يرتفع.
إن على أوبك أن تحافظ على مستوى دخلها من النفط عند أسعار مرتفعه في ظل تدهور قيمة الدولار الذي لا ذنب لها فيه رغم عدم نقص المعروض من نفطها. فلماذا نلقي اللوم على أوبك وهي لا تستطيع أن تثبت الأسعار أو لأنها فقط تسعى إلى تعظيم العائد على استثماراتها من خلال رفع أو تخفيض إنتاجها ومن لا يفعل ذلك. إن احتمالية زيادة إنتاج أوبك في ظل تدهور قيمة الدولار من المفروض أن تكون صفراً، فهل يستطيع المستهلكون تخفيض طلبهم على النفط أو أنهم يسعون دائماً إلى تعبئة مخازنهم الإستراتيجية حتى يحرموا دول الأوبك من الدخل الذي يتناسب مع حاجات اقتصادياتهم التي مازالت اقتصاديات نامية وتحتاج إلى استثمارات كبيرة في بنياتها التحتية؟ إن السعر المستهدف لمنظمة الأوبك هو السعر الذي يحقق عائداً حقيقياً مضافاً إليه معدل الخطر وعدم التيقن من المستقبل من أجل رفع معدلات نموها الاقتصادية والفائض الاقتصادي لكل مواطن ما يرسخ أسس الأمن والاستقرار. فهل لنا أن نرفع من قيمة الريال ونزيد من تدفق الاستثمارات الأجنبية في الأجل القصير ونثبت للعالم إننا قادرون على حماية المستهلك المحلي؟
fahedalajmi@saudi.ent.sa