في المسألة الأفغانية تصدر مبادرات، لكنها تظل مكتومة أو إنّها لا تمضي إلى آخر الطريق، فيما تستمر الحرب هناك في التهام العشرات من الناس، إنْ لم نقل المئات، كلّ يوم، وهؤلاء الذين يموتون ليسوا فقط من عناصر طالبان، أو من الجيوش الغربية القادمة من الخارج، أو من الجيش الأفغاني، لكن بينهم أعداد كبيرة من المدنيين الذين يقضون وسط النيران المتقاطعة للفرقاء المتحاربين.
ويلفت النظر بشكل خاص، تجاهل العالم لهذه الحرب حتى باتت كالمنسيّة، رغم الفظائع المأساوية فيها، هذا التجاهل يشمل أيضاً تلك المبادرات، وآخرها ما تردَّد على لسان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي أعرب عن استعداده لمقابلة مسئولين من طالبان من أجل النظر في تسوية ما، وما قاله كرزاي منتصف الأسبوع عقب مقتل العشرات من جنوده في عملية انتحارية نفّذتها طالبان، ليس هو الأول من نوعه، فقد سبق له الشهر الماضي المطالبة بمحادثات مع مناوئيه، حتى أنه قال في ذلك الوقت (من يعرف رقماً هاتفياً لطالبان فليأتني به).
الفظائع التي تلحق بالمدنيين من هذه الحرب تستقطب اهتماماً دولياً، ومن الطبيعي أن تثير حفيظة حكومة كابول، إذْ إنّ الذين يقتلون المدنيين من القوات الأجنبية لا يتورّعون عن فعل ذلك مرة بعد الأخرى، ولكنهم يدفعون بحجج واهية عن أفعالهم تلك، فهم يقولون على سبيل المثال إنّهم يضطرون لفعل ذلك خلال مطاردتهم جماعات طالبان، كما لا يتورّعون عن القول أيضا إنّ المدنيين يأوون طالبان وعليهم أن يتحملوا نتيجة ما يقومون به.
القتل الجماعي للمدنيين يستفز الأفغان بمختلف فئاتهم، وقد أعرب الرئيس الأفغاني، الذي يعتمد على القوات الأجنبية في محاربة طالبان، عن تبرُّمه مما يحدث مراراً، ولهذا ولغيره قد يكون كرزاي يرى أنّ من الخير البحث عن سبل لإنهاء هذا النزاع في بلاده، وأنّ العودة إلى مواطنيه، وحتى إلى أولئك المناوئين له من طالبان، خير من ترك الأمور تمضي هكذا دون إرادة وطنية فاعلة وحازمة، وفي ظل هيمنة عسكرية غربية متعاظمة.
التحركات البطيئة لاستكشاف آفاق التسوية تتم وسط حراك متنامٍ وسط الرأي العام في الدول التي لديها قوات في أفغانستان، ومطالبات بسحب القوات طالما أنّ تلك القوات لا تكتفي بقتل عناصر طالبان فقط، بل إنها تقتل المدنيين بمن فيهم من نساء وأطفال أيضا.
ويبقى من المهم أن تسعى الجهات الدولية ذات العلاقة إلى استثمار نداءات واستعدادات التسوية وبلورتها في شكل خطط قابلة للتعاطي معها، تصلح أساساً طيباً لعمل جاد من أجل السلام.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244