أبرزت هيئة السوق المالية (قناعتها بأهمية التشاور مع المختصين والمهتمين بالسوق المالية السعودية في القضايا ذات العلاقة بالسوق قبل إقرارها) عندما وجهت الدعوة للمختصين لتقديم المقترحات حول إعادة هيكلة مؤشرات السوق. لا شك أن هذا تصرف حصيف. فالهيئة وفق هذا المنهج تحاول تفادي التبعات السلبية لأي قرار قد تتخذه، إذا علمنا أنها بنهاية الأمر أقل احتياجاً لرؤى المختصين والمتابعين للسوق المالية، فهي تملك من الموارد المالية ما يكفيها لتجنيد جيش من الخبراء والباحثين لصياغة المؤشرات الجديدة وفق أفضل الصور. وفي تصوري أن لهذا المنهج دافعين هامين: الدافع الأول يكمن في أن تجربة هيئة السوق المالية في اتخاذ القرار كانت مريرة بعض الشيء، ذلك ليس لخلل في طبيعة تلك القرارات بل للإشكاليات المصاحبة لتلك القرارات. فمثلاً، في فترة سابقة هاجت السوق وماجت عندما اتخذت الهيئة قراراً بوقف بعض المتعاملين المخالفين لنظام السوق المالية. فقرار الوقف ذلك لا يعدو كونه قراراً (تنظيمياً ممتازاً)، ولكن المتعاملين في السوق تعاملوا مع القرار على أنه قرار (تخريبي). وقس على ذلك القرار جملة من القرارات التي أوجدت الانطباع لدى المتعاملين في السوق بأن هيئة السوق المالية في حالة صراع دائم مع (الهوامير)! وهذا الانطباع كان له تأثير كبير على حيثيات التداول ورفع مستوى المخاطر في سوق الأسهم. ولعلي أشير هنا (دون إثقال على القارئ الكريم) إلى دراسة قمت بنشرها في عام 2005م حول تأثير القرارات على سوق الأسهم السعودية، حيث ثبت أن تلك القرارات التي يفسرها المتعاملون على أنها (قرارات سلبية) تؤثر على مستوى التذبذب في السوق بحوالي 136% مقارنة بتأثير القرارات التي يراها المتعاملون بأنها (قرارات إيجابية).
أما الدافع الثاني لقرار الهيئة بإشراك المختصين والمتابعين حول إعادة هيكلة المؤشر فيرمي إلى السيطرة على توقعات المتعاملين في السوق درءاً لأي بلبلة يمكن أن تحدث. ولتوضيح هذا الأمر، تخيل عزيزي القارئ أن الهيئة قررت دون سابق إنذار تعديل مؤشرات السوق وتنفيذ هذه التعديلات بصورة مفاجئة. وفقاً لطبيعة المتعاملين في السوق، فإن المحتمل أن يتمخض الأمر عن تفاعلات غريبة في السوق لا لشيء ولكن لأن المتعاملين سيفسرون الأمر وفق أهوائهم.
إن هذا المنهج في اتخاذ القرار منهج أثبت فعاليته على أصعدة مختلفة. فالأوروبيون، على سبيل الإشارة، أخذوا بهذا النهج في قراراتهم المتعلقة بأسواق العمل وذلك لإطفاء ردود الأفعال (المتناطحة) بين أصحاب الأعمال والنقابات العمالية. وكم أتمنى أن تعمم تجربة هيئة السوق المالية هذه على كافة أصعدة القرار الحكومي، كونها تشكل آلية (لطيفة) لصناعة القرار، أما فعاليتها فتعتمد على مدى جدية هذه الجهات بالأخذ برؤى المواطنين!
ختاماً، هذا التحرك من الهيئة يعد تحركاً إيجابياً مشكوراً، ومن (أدبيات الذوق) أن يتعامل (المختصون والمتابعون) مع هذا التحرك بمنتهى الإيجابية ويقدموا مقترحاتهم بخصوص المؤشرات الجديدة حتى لو لم تأخذ بها الهيئة مسبقاً، لا سيما في ظل (الوقت القصير) المتاح لمراجعة المقترحات!
algudhea@yahoo.com