في الواقع الحياتي الذي يعيشه الناس نجد أنه قد يبتلى بعض الناس بشيء من الأسقام فيضطر للذهاب إلى من يسمع عنهم أنهم يعالجون بالطب الشعبي أو بالرقى والتعاويذ، وهنا اشتبه على كثيرٍ من الناس الرقية الشرعية الثابتة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعمال السحر والشعوذة والدجل، خاصةً وأن المشعوذين والسحرة يُلبسون على الناس ببعض الأعمال المشروعة وببعض الحقائق الواقعية، فيدسون من خلالها إفكهم وأباطيلهم، وهذا ما حمل بعض الناس على إنكار الرقية الشرعية ورفضها بالكلية، وهذا خطأ أيضاً، ولهذا كان من الجدير أن يعرف الناس علامات السحرة والمشعوذين والقرائن الدالة عليهم، وهذا ما سنذكره بإذن الله تعالى في الأسطر التالية:
فهذه بعض العلامات التي يدل بعضها على أن من تعاطاها من أهل الشعوذة والسحر، أو أنه جاهل منحرف، فمن ذلك.
1 - أن يدعي المشعوذ أو الساحر أو مدعي العلاج علمه بالغيب أو بأشياء لم يحضرها مما حدث في القديم أو في أماكن لم يأتها.
وهذا من أعظم التلبيس والكذب على الناس فإنه إنما علم بذلك من خلال قرين المريض من الجن، والذي لا يستجيب له حتى يخضع له، والغيب لا يعلمه إلا الله، قال الله سبحانه: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (65) سورة النمل.
2 - أن يطلب المشعوذ أو الساحر أو مدعي العلاج من المريض أن يضع المصحف في النجاسات. وهذا من الكفر الصراح، والذي لا يقدم عليه إلا من انسلخ من دينه ومن خشيته لربه واتبع سبيل الشيطان.
3 - أو أن يأمر المريض بذبح شاة أو دجاجة أو ديك أو غراب أو غيرها ويطلب منه ألا يذكر اسم الله عليها.
وهذا عمل المشركين، فالذبح عبادة قد جاء النص الصريح على وجوب إخلاصها لله وحده لا شريك له، والوعيد الشديد لمن ذبح لغير الله. قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} الأنعام (162-163).
وفي صحيح مسلم: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لعن الله من ذبح لغير الله).
4 - أو أن يطلب شيئاً من ملابس المريض، وخاصة الملابس التي تلامس بدنه، أو أشياء مما انفصل عنه كالشعر والأظفار ونحوها.
وهذا من الشعوذة والتدجيل بغير بينة، وإنما يطلب هذه الأشياء لأجل أن يصنع السحر بها بواسطة الشياطين وعقدهم ونفثهم عليها.
5 - أو أن يسأله أول ما يلقاه عن اسم أمه.
وهذا كسابقة تدجيل وشعوذة لاسترهاب النفوس والتأثير عليها.
6 - أو يدَّعي قدرته على تمكين المعيون (المصاب بالعين) من رؤية من أصابه بالعين والأذى في المنام. وهذا زعم شيطاني، لأن البشر لا يستطيعون التأثير على الآخرين بأن يروا في المنام ما يريدون ولو صدق فإنه إنما يستعين بالشياطين، وينطوي على اتهام بغير بينة بما يسبب العداوة بين الناس.
7 - أو يأمره باعتزال الناس والجلوس في الظلام.
وهذا فيه من التأثير النفسي ما يزيد المريض مرضاً وبؤساً ويدهور حالته، وهو وحي شيطاني تحمل عليه النفوس البغيضة.
8 - أن يأمره بألا يمس الماء لمدة من الزمان.
وهذه مخالفة للفطرة ولما جاء من حض الشريعة على النظافة، وإيجاب استعمال الماء في التطهر.
9 - أو أن يعطي من أتاه يستعين به أشياء مجهولة أو قذرة يدفنها في الأرض أو يضعها في مكان معين من منزله.
وهذا فيه من التدجيل وما يوضح خسة نفوس السحرة وحقارتهم، لأنهم كالشياطين يألفون النجاسة والقاذورات، وهو أبعد لهم من الطهر والنظافة.
10- أو يعطيه بخوراً وأدخنة يجعلها في البيت.
وهذا من طقوس الشياطين وتدجيل الأفاكين، حيث تهوى شياطينهم هذه الأعمال منهم لاستجابة السحرة لهم وتأثيرها على النفوس.
11- أو يعطيه ما يسمى بالحجاب أو الحرز أو التميمة أو التعويذة، وهي ورقة أو جلد مرسوم عليها مربعات بداخلها حروف وأرقام وطلاسم غير معروفة. وهذا مما يوحي به الشياطين إليهم، ويضمنونها الشركيات والبدع. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في سياق كلامه عن الرقى: أما ما لا يعرف معناه فلا يُشرع، لا سيما إن كان فيه شرك، فإن ذلك محرم، وأكثر الرقى الأعجمية تتضمن أسماء رجال من الجن يُدعون ويُستغاثُ بهم، ويُقسم بمن يعظمونه فتطيعهم الشياطين، وعامة ما بأيدي الناس من الرقى التي لا تفقه بالعربية فيها ما هو شرك).
12- أو أن يحضر ذئباً أو جلد ذئب في المكان الذي يدعي فيه العلاج!! بدعوى أن الجن يخافون من الذئب.
وهذا شعوذة وتدجيل وخرافة لا أصل لها. وهو نوع من التأثير على من يتردد عليهم، واسترهاب نفوسهم، كما وصف الله سحرة فرعون،{فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} (116) سورة الأعراف، فالسحرة والدجالون يسعون لتضخيم أعمال وتعظيم صنيعهم كي يؤثروا على نفوس من يراهم ويستميلوهم إليهم.
13- ومن علامات المشعوذ والساحر زعمه أنه يستطيع أن يوجد المحبة بين الزوجين أو يفرق بينهما من خلال شيء يصنعه.
وقد كذبوا في هذا، وإنما هو تسلط على عباد الله بالصرف والعطف، وقد يمكنهم الله من ذلك لحكمة يعلمها سبحانه، وقد يظهر كذبهم ويكبتهم قال الله تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ} (102) سورة البقرة.
14- ومن علاماتهم: أن يأتي بالعقد ويتمتم عندها بكلام غير مفهوم.
وهذا من جمل تدجيلهم وأعمالهم السحرية التي يسعون للتأثير بها على الناس، ولذلك أمر الله تعالى أن نستعيذ من إفكهم {وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}(4) سورة الفلق.
15- ومن العلامات أيضاً أن يعمد من يدعي العلاج إلى مس بدن المرأة الأجنبية عنه، ويزعم أنه إنما يتحسس مكان الألم أو أنه يريد إمساك الجني.
وهذا العمل لا يجوز له، إذ لا ضرورة تدعو إليه، ولكنه من الفسق والمجون الذي يوجد عند أولئك القوم.
إلى غير ذلك من أساليبهم المريبة التي تدل على أن أصحابها جهلة ضلال مضلون، وأنهم ممن يستعين بالجن والشياطين. ولا جرم أن من جعل نفسه بين أيدي هؤلاء فإنما يجني على نفسه ويطلب حتفه بيده، ولا غرو أيضاً ألا ينتظر من أولئك الضالين إلا الضلال والفسق والإفساد.
وبعد: فتلك بعض من علامات الجهال والمشعوذين والسحرة والكهنة الذين يزعمون أنهم يعالجون الناس، وفي واقع الأمر إنما يضلونهم ويبتزون أموالهم ويعبثون بأعراضهم وعقولهم.
أسأل الله تعالى أن يحفظني وإخواني المسلمين من كل بلاء وفتنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
khalidshaya@hotmail.com