Al Jazirah NewsPaper Wednesday  31/10/2007 G Issue 12816
الاقتصادية
الاربعاء 20 شوال 1428   العدد  12816
فيما وصف الرواد التنازل عنها بأنه مخل بقيم العطاء
التطور التقني يكشف عن أزمة ثقة بين الأجيال في إدارة المنشآت الاقتصادية

«الجزيرة» - منيرة المشخص

تكاد تصبح (أزمة الثقة) بين الأجيال في مجتمعنا ظاهرة حياتية، فالبراعة في التعامل مع المعلومة وإتقان فن برمجة العلاقات وبالتالي فن برمجة شؤون الإدارة العامة فرض أسلوب التعامل للجيل الجديد على حساب جيل الرواد، بل باتت (أزمة الثقة) هذه مطلبا اجتماعيا نبيلا نسعى إليه قبل أن يسعى إلينا لأن دواعي حدوثها هي أكثر استجابة من دواعي امتناعها.. لكن الذين حملوا مفاهيم الإدارة من خلال تجاربهم العملية في الماضي يصرون على حفر شواهد الأمجاد فوق جباههم بألاّ تزول بفعل فتور المشاعر وذوبان الجليد ونظرة الجحود.. ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال توجهاتهم بمحاولة فرض ذاتهم على الآخرين نصاً حرفياً يتحدث بلغة شعراء سوق (عكاظ) دون النظر في أية أبعاد قياسية لثقافة العولمة الإدارية، باعتبار أن إسهاماتهم السابقة في البناء الاجتماعي هي مقاييس للنجاح.. وبذلك يقفزون فوق السياق التاريخي للظروف الحياتية في الوسائل المتاحة بين الماضي والحاضر بإلغاء الآخر الذي هو الجيل الجديد، وبتجاهل فلسفة حتمية التغيير، وكأن الأزمة تنحصر بين عاطفة الوفاء وظاهرة العقوق.

ورغم أننا نرى الكثيرين من جيل الرواد يستبسلون من أجل إيجاد نوع من التسوية والمصالحة بينهم وبين الجيل الجديد، فإننا لا نريد أن نظلمهم حيث أننا بصدد ظاهرة اجتماعية خطيرة نسميها (أزمة ثقة) في طريقة تفعيل المفاهيم الإدارية.

ونرى أن هذه الأزمة لو لم تكن موجودة لأوجدناها، لأن تفاقم مثل هذه الأزمة واستفحالها هو مشروع تنموي يجب السعي إليه ليدلنا على مقياس التطور والنمو والتغيير في المجتمع.

وعلى الجانب المضاد يتربع جيل مذهل جديد متعدد الأطياف، يحمل في فكره شحنة وفيرة من المعلومات يختزلها في بضعة أزرار، فتتسع شبكته بالهجرة إلى تحوم العالم المجهول المعلوم بنسيج مغناطيسي مضغوط دون أن يتحرك من مكانه، حاملاً في يده بطاقة ذكية يدير بها الدنيا بأسرها، ويبرزها ويلوح بها. وحيث إن مسألة الثقة بين الأجيال باتت نوعا من المبالغة في مسماها، فإن التنازل عنها يمثل استسلاماً أدبياً يخل بقيمة العطاء الذي بذله الرواد، بينما يمثل لدى الجيل الجديد استجابة راكدة تلغي منه التفتق والإبداع فتأكله النار..

ولقد كان الأولى معادلة هذه الأزمة قياساً على كمية الإنتاج من واقع الخبرة الإدارية محسوبة على المدة الزمنية للناتج الفعلي، ليفضي بنا الأمر إلى اكتشاف أن حل المعادلات المعقدة التي كانت تستغرق أياماً يتم حلها الآن في بضعة ثوانٍ.. والذين كانوا يدكون الصخور بمعاولهم في الماضي أصبح بإمكان أسلافهم فعل ذلك بأطراف أصابعهم خلال تناول القهوة، وبذلك يتبين لنا أن التراكم المعرفي في أساليب الإدارة يمكن استيعابه لدى الجيل الجديد في فترة زمنية لم يتم اختصارها فحسب، ولكن تم إلغاؤها.. لربما اشتملت هذه المقدمة عن حوارنا التالي على بعد أوسع مما تحاورناه عن ظاهرة الأزمة.. ولربما اشتملت على عكس ذلك..

لكننا نرى أن (أزمة الثقة) هذه هي ظاهرة ايجابية، وهي لا يجب أن تكون ثقة ضائعة في سبيل البحث عن دور مفقود لهذا المدير أو ذاك، أو دور أضحى معطلاً عند هذا المسئول أو ذاك.. فالحياة استثمار وخلود.. وهي أهم من مجرد فتوحات وغزوات في الواقع أو في الخيال.. ثم إن علم الإدارة هو أرقى فنون التعامل الإنساني حيث يشتمل على الأخلاق والقيم والمثل العليا، وليست علماً تلقينياً أو مجرد أوامر وسحنة متجهمة يمليها المدير على مرؤوسيه فيستعرض من خلالها صلاحياته التي يمكن أن تسلب منه عنوة..

ويطيب لنا معايشة هذه الأزمة الإيجابية في سياق الحوار التالي مع اقتصاديين في بلادنا يمثلان الجيلين، وكانت البداية مع سليمان المهيدب والذي توجهنا له بعدد من التساؤلات عما إذا كانت توجد أزمة ثقة بين جيل الرواد وجيل الشباب؟ وعدم منحهم الثقة في إدارة دفة المنشأة، خاصة أن هناك من الرواد من يبقى على رأس العمل لعقود عديدة، فقال: هناك وفي بعض الأحيان سوء فهم لوجهة نظر جيل الرواد حيال المدة اللازمة لأخذ الخبرة الكافية والتي قد تطول في بعض الأحيان وقد يفسرها الشباب بعدم الثقة.

الأمر الثاني هو أن سرعة التعلم واكتساب الخبرة دائما يكون مرهونا بالجد والاجتهاد والحماس وأحيانا تكون سرعة التعلم أبطأ عندما يعمل الشاب أو الشابة في منشأة يعامله الآخرون فيها بشيء من المجاملة.

ومن جهة أخرى نجد جيل الرواد يتمنى أن يصل جيل الشباب لما وصلوا إليه هم أنفسهم بسرعة، ويستعجلون منحهم المسؤوليات ثم يحدث إليهم ردة فعل عندما يتخذ جيل الشباب قرارا خاطئا ويصبح هناك شعور حقيقي بعدم الثقة وهذا يعتبر مشكلة، وتعمد بعض الأسر إلى دفع جيل الشباب للعمل خارج منشآتهم فترة قد تمتد بين 3 - 5 سنوات لحل بعض المشاكل وهو أسلوب ناجح في الغرب وبالذات إذا كان الجيلان متفاهمين على الهدف من هذا الأسلوب في التدريب، وأضاف: يحدث أحياناً أن جيل الشباب يريد أن يبدأ من أعلى قمة الهرم الوظيفي دون التدرج المنطقي ودون النظر لشرائع الإحلال والإبدال التي يجب أن تتم أيضاً بطرق عادلة تراعي سنين الخدمة والمواكبة والنأي الكامل عن المجاملة لأفراد الأسرة.

ويشير المهيدب إلى أن العديد من الشركات العائلية قد فطنت لاحتواء مثل هذه المشكلات بتكوين مجلس عائلي يناقش بالتفصيل مسببات، مثل هذه الأزمات ويحدد المسار الوظيفي بكل شفافية للجيل التالي مع تحديد المجالات الوظيفية وتأطيرها وفق حاجة المؤسسات لذلك، وتبعاً للمؤهل المناسب وسنوات الخبرة المطلوبة الأمر الذي يجعل تولي المناصب بالتقادم العمري شيئا لا يعتد به كثيراً.

وحول ما إذا كان يروا أن الخبرة تغني عن المؤهل في إدارة المنشئة أجاب قائلا):لا يمكن التعميم في مثل هذه الأمور لأنها تعتمد بشكل كبير على القدرات الشخصية لفرد دون آخر فكم من صاحب خبرة طويلة لا تنفعه عندما تأتي المواقف الصعبة، وكم من حديث عهد بالعمل يأتي بآراء وحلول يتعجب أصحاب الخبرة من جودتها وعمقها.

ولكن لا بد من التأكيد على أن الإنسان كلما مرت عليه مواقف أكثر واتخذ فيها قرارات أو شاهد غيره يتخذ قرارات، ثم رأى نتيجة تلك القرارات فإنه يصبح أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.

وفي موضوع الإدارة فإنني أود أن أوضح أن الإدارة اليوم علم قائم بذاته يستطيع الإنسان اكتسابه، ليس فقط من خلال الدراسة المنتظمة وإنما من خلال الدورات القصيرة المستمرة، وأيضا الإنسان يظل يتعلم طول عمره، ولهذا فإن الخبرة مع المؤهل الجيد يكونان المعادلة الناجحة.

من جانبه أكد راشد بن محمد العبد اللطيف نائب رئيس مجلس إدارة شركة الغزالي عدم وجود أزمة ثقة بين الجيلين؛ حيث قال: من يدعي بعدم وجود ثقة لا يعرف الحقيقة على الإطلاق؛ لأنه لولا الرواد لما وجد الشباب فمسيرة الشباب هي استمرار لمسيرة جيل الرواد، ويكابر من يعتقد أن الشباب هم صانعو الحدث لأن الصانع الحقيقي للحدث هم الرواد الذين سعوا في الأرض وبذلوا الجهد وقدموا التجارب وعرفوا معنى الحياة .

و يضيف: الرواد هم الذين قدموا لنا خبراتهم الكبيرة وأعطونا من تجاربهم ما يغنينا عن أرقى الجامعات فهم من عرفوا التجارة والصناعة والعمل في وقت كانت فيه المصادر المالية نادرة.

ويتساءل راشد بعد ذلك قائلا: كيف لنا أن نصادر حقهم في تطوير المجتمعات على المستوى الاقتصادي والصناعي وندعي بأن هناك أزمة بيننا وبينهم.. وحول قول البعض إن استخدام المؤسسين الأسلوب التقليدي في إدارة المنشأة يبطئ من اللحاق بعجلة التقدم الاقتصادي اعتبرها العبد اللطيف مغالطه بحد ذاته وقال الرواد هم المحدثين والمجددين لأنهم جمعوا بين الماضي والحاضر كيفوا أعمالهم مع أحدث التقنيات ووظفوا أفضل الوسائل لخدمة الأهداف وللوصول إلى أفضل النتائج في العمل، وفند القول بأنهم يعيقون التقدم مضيفا أن من يدعي أنهم يعيقون التقدم أو يبطلوا الحركة فإنهم لم يستوعبوا الدرس بحق لأنهم يريدون أن يكونوا متهورين ومتسرعين ومندفعين بدون دراسة حقيقية لكل موضوع ولكل أمر.

وأشار العبداللطيف إلى أن البعض من الشباب يريد أن يصل بسرعة الصاروخ ويجد نفسه قد سقط بذات السرعة .

ويعود في ختام حديثة إلى الرواد قائلا: (أما الرواد فأنهم لا يمانعون التطور ولا يعارضون التحديث ولكن بتأن وروية، يقولون لنا اعملوا وجددوا واستثمروا ولكن بدون عجلة يطالبوننا بالعمل والاستثمار ودراسة الأمر جيداً شريطة عدم المخاطرة بأعمالنا، وإن العمل يجب أن يكون مبنيا على أصول وأسس راسخة لكي يستمر, ويحثوننا على المنافسة مع الآخرين شريطة أن تكون شريفة وان نتقي الله في كل عمل نقوم به).. ويختم العبد اللطيف حديثه بقوله: هل في هذه النصائح والتوجيهات ما يضر أو يعيق العمل أو يبطئه، إن من يريد إبطاء العمل هو من لا يعرف معنى العمل، أو من لا يريد أن يعمل؛ لذا علينا أن نعطي الرواد حقهم في التقدير وفي الاحترام حتى يقدر من يأتي بعدنا من أبنائنا ما قمنا به، ويسيروا على النهج ذاته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد