السلطة الرابعة - إعداد : سامي اليوسف
السلطة الرابعة.. زاوية أسبوعية نستضيف فيها أحد الزملاء الإعلاميين ونطرح عليه عددا من الأسئلة حول الأحداث والشخصيات والأندية والمواقف.. قد نتفق أو نختلف معه ولكن تبقى آراؤه تمثله شخصياً وضيفنا اليوم الكاتب الرياضى القدير تركي الناصر السديري فماذا قال..
* ثلاثة انتخابات لجمعيات عمومية أقيمت في ثلاثة أندية سعودية فقط هي: القادسية والوحدة وأبها،نتائجها قوبلت بالطعن والرفض والتشكيك في نزاهتها من قبل الخاسرين فيها.. هل المشكلة في اللوائح، أم في ثقافة الهزيمة لدى المجتمع الرياضي، أم في عدم تقبل الآخر مهما كان، أم في هذه الأسباب مجتمعة؟
- لكي تعرف اسأل: هل لدينا (منظومة رياضية) متكاملة، بحيث توفر وتضمن وتحقق الممارسة الصحيحة والعادلة والحضارية لانتخابات الجمعيات العمومية؟
مع الأسف في الوقت الراهن نفتقد مثل هذا الأمر، وكل ما في الجعبة لائحة متوارثة من فترات سابقة لا علاقة لها بالراهن الحالي للرياضة، ولم تعد قادرة (أي اللائحة الإرث) على استيعاب المتغيرات المستجدة ومواكبة (حداثة اليوم). انتخابات الأندية شرط رئيسي في تكوينية النادي الرياضي، بل الواقع الرياضي، ومن يقفز عليه أو يتحايل، أو يبرره.. يهزم الرياضة ويزيفها.
* هل توافقني الرأي الذي يقول إن الرياضة (لاعبين وإداريين) أصبحت مهنة من لا مهنة له؟!
- بالنسبة للاعب فمن حقه أن تكون مهنة له ما دام يمتلك موهبتها وغوايتها، أما بالنسبة للإداريين فقد باتت فعلاً أيسر وأسهل مهنة للأميين والفاشلين والمأزومين.. مع الأسف!
* لماذا أصبحت الأندية غير جاذبة لرجال أعمال المجتمع وأصحاب العلم والثقافة والتخطيط؟
- لأن أوضاع الأندية الحالية حولت الأندية إلى أوعية تنضح بالأمية؛ فتحولت بفضلها الأندية إلى (خيمة أصدقاء) في هذا النادي أو (مركاز سمسار) في ذلك النادي أو (ملحق قصر) في آخر.. متى ما عادت الأندية إلى جماهيرها، وانتهت حقبة اختطاف الأندية ستجد الأندية مواقع نور وإنجاز يتواجد فيها كل أطياف المجتمع.
* وهل أصبحت الأندية عامل طرد للشباب والأجيال الجديدة في المجتمع؟!
- في ظل الراهن.. نعم، لمن لديه كرامة وعزة وعلم؛ فلا أحد يقبل أن يكون ملوثاً.. أو إمعة.
* هل توافقني الرأي في أن الأندية الرياضية مصدر شهرة وبروز لرؤساء الأندية إلى حد أنهم صاروا يتعاملون مع هذه الأندية على أنها إحدى شركاتهم أو من ضمن أملاكهم الخاصة؟
- إنهم - يا صديقي - يختطفون الأندية.. في زمن رديء جداً.
* كيف يمكن أن نصنع إعلاماً رياضياً راقياً لا يقذف ولا يقدم ولا يمارس الكتابة الرديئة؟
- بالعلم.. ثم بالعلم، هذا الذي يبغضه (الأميون) ويرتجفون لمجيئه، ويستميتون لمنعه، لو أن الشرط العلمي والتخصصي والثقافي هو البوابة التي يلج منها من يريد العمل في الإعلام.. لما صارت الحال على ما هي عليه الآن، حيث مستنقع الأميين المملوء بالمشجعين والمسوقين والأتباع.
* دائماً تتحدث عن الإدارة الحديثة والوعي والعلم والشهادات... كيف نوازن مع إدارات أندية دكتاتورية، متسلطة في إدارتها وفي قراراتها ولاعبين لا يتجاوز مستوى تعليم أكثريتهم الابتدائية أو المتوسطة وإعلام منغلق في حدود التعصب وانغماس في المحلية؟!
- بإحلال العلمية وضخها في بنيان المؤسسة الرياضية. أبدأ أولاً بالجهاز المركزي المسؤول عن الرياضة في بلادنا. يا رجل هل تعلم ويعلم الوطن كله أن ما هو بحدود 80 % من الكادر الإداري في الجهاز المسؤول عن الرياضة يشغله مَن مؤهلاتهم العلمية دون الثانوية؟!
متى ما تحول الجهاز المركزي (الرئاسة العامة لرعاية الشباب) إلى كيان إداري متخصص علمياً فيكوادره وينتهج العمل الإداري الحديث.. فكل شيء في الرياضة سيتغير؛ فبلادنا مملوءة بالمؤهلين بالكفاءات المتخصصة القادرة على إحداث الإصلاح والتطوير المنشود والممكن جداً جداً.
* هل ما تطرحه الآن يتناسب والفترة الحالية وواقع الحال الرياضي في مسألة الإدارة والتخطيط، خاصة أننا نحتاج إلى الكثير من الخطوات حتى نصل إلى ما تطالب به؟
* أندية توقع عقوداً بملايين الريالات وتلغي عقوداً وتدفع غرامات بالملايين، وإدارات تعاني من الإفلاس، وأخرى تضيع ملايينها بالأسهم... كيف نوازن بين كل ذلك؟
- لأن الأندية لا تزال تعيش ضمن نواميس أنظمة وواقع قديم تجاوزته خصوبة الواقع الرياضي العولمي؛ لذلك تظل التطوعية والاجتهاد والمحسوبية سيدة الموقف في الأندية، وهي أندية تحكمها وتشكل آلية العمل فيها لائحة لم تعد تواكب تطورية مجتمع التنمية السعودية وما يحدث في العالم الذي يعيش حقبة العولمة واتفاقيات التجارة الحرة؛ لذا لا تزال أنديتك - يا صديقي - مضارب قبيلة أو وقف مورِّث أو ملكية نافذ أو مغنم شلة؛ فما الذي تنتظره أو تتوقعه غير هدر مال وجهد ووقت، وتفويت فرص إنجازية قد لا يجود الزمان بها؟
* إدارات أندية واتحادات يفشلون مرة تلو أخرى ومع ذلك يستمرون ويقاتلون على الاستمرار في مناصبهم وكراسيهم، وإداراتهم لا تتغير مهما مرت السنون... برأيك كيف نخلق ثقافة الاستقالة والاعتذار عند هؤلاء وفي مجتمعنا الرياضي الحالي؟
- إنها الأمية الرياضية، وهذه تتسبب في تواجد مَن لا يؤمن برسالة الرياضة في العمل الرياضي، ومن لا يؤمن بما ينتمي إليه ماذا تنتظر منه؟ لهذا امتلأ المشهد الرياضي بأصحاب المصالح والمغانم والسماسرةوالعقارجية وتجار الشنطة والبشكة، وطلاب الشهرة والكراسي والوجاهة وملء الفراغ، ثم... يا صاحبي هل علق أحد الجرس الذي طال؟ لم يفعل أحد ذلك. أقصد البدء من فوق وإلى تحت؛ وبالتالي (كله على بعضه).
* متى نصل إلى مرحلة النضج الفكري للاعب والإداري والصحافي الرياضي، وكذلك بالفكر الرياضي المعاصر؛ لكي نخلق بيئة رياضية ناضجة وجادة؟ كيف نحقق ذلك؟
- بالعلم... دائماً، والخضوع للمعيار العلمي التخصصي والثقافي في الاختيار والأداة، والوسيلة. متى تواجدت المنظومة الرياضية العلمية سادت الحالة الصحيحة والصحية؛ لأن مصلحة الوطن الرياضية ستكون فوق كل اعتبار، وستكون هي بوصلة الوجهة والعمل، ولن يكون سيد الموقف المصلحة الذاتيةومغانم الكسب والشهرة ونواميس (كل فطير... وطير) و(ليأتِ الطوفان من بعدي!!). وتذكر - يا صديقي - أن من هاجسه خدمة وطنه ويدرك جسامة وهيبة تحمل الأمانة سيكون سبباً في التطوير المتفوق.
* ظهورك عبر الصحافة الرياضية غير ثابت أو منتظم في مواعيده إلى حد يصفك فيه البعض بالكاتب المناسباتي... ما تعليقك؟!
- أنا لا أعمل في الصحافة، ومشاركتي تحكمها ظروف عملية، وكذلك مبرر الكتابة؛ فلست أعاني - ولله الحمد - من إسهال كتابي، ولا أستسهل كتابة (أي حاجة) بطريقة الصفصفة أو للزوم التواجد، وكذلك فأنا أحترم عقل المتلقي وأهاب ضميري الوطني الذي يحتم عليّ ألا أكتب إلا بما يعود بالنفع والإصلاح والصلاح لرياضة وطني المقدس.
* وصفت الهلال ب(نادي الشعب)، والاتفاق ب(نادي الناس)... هل هناك فرق بين الشعب والناس؟ وعلى من ستطلق لقب (نادي الفقراء) و(نادي البسطاء)؟
- الشعب من الناس، والناس (فسيفساء) المجتمع وأطيافه؛ وبالتالي الهلال والاتفاق يمتلكان صفات وخصائص مشتركة، وهما كذلك ناديا الفقراء والبسطاء والمثقفين والتنويريين، وكذلك الأمر بالنسبة للاتحاد والأهلي والوحدة وغيرهم، ولكن يبقى الهلال الأكثر شعبيةً واتساعاً، والاتفاق الأكثر تماسكاً وتمسكاً بجذوره الشعبية.
* تحدثت وإياك عن فكرة تأسيس اتحاد الإعلام الرياضي، وكشفت لي عن رفضك لها، وكيف أنها فكرة قديمة قبل نحو 20 عاماً طرحت ورفضت آنذاك.. لماذا رفضت في تلك المرحلة، ولماذا ترفضها الآن؟
- لأن الإعلام إذا لم يكن مستقلاً لا يكون إعلاماً، إنما يتحول إلى علاقات عامة، أو نشرة إخبارية، أو إذاعة وتلفزيون؛ أي مسيرة موجهة تفقد قيمتها النقدية والإصلاحية لدى المتلقي. وحقيقة لا أدري من ورط اللجنة الأولمبية بمثل هذه الفكرة؛ فهو قد تسبب في حرج التدخل في اختصاصات جهات أخرى، وكذلك عدم إدراك ماهية الإعلام وشروطه العلمية والعملية. ثم هل تدري أننا صدقنا أن لدينا (إعلاماً رياضياً)، وهذا خداع للنفس؛ فالذي لدينا هو مجموعة صفحات رياضية ورقية، وبرامج مرئية سميت قناة رياضية، وبرنامج إذاعي. هذا كله لا يشكل (إعلاماً)؛ فالإعلام (منظومة) متكاملة لها أركانها وشروطها ومعاييرها، وقبل ذلك وبعده تمتلك (استراتيجية) واضحة ومعلومة ومدروسة بعلمية مهنية.
* وصف المحلل والكاتب الاقتصادي راشد الفوزان عبر (السلطة الرابعة) اللاعب السعودي بأنه: عبثي،عشوائي، مهمل، غير جاد، قليل الثقافة، ويعشق السهر والمعسل... إلى أي مدى توافقه في وصفه؟
- اللاعب مثله مثل أي فرد من المجتمع، هو نتاج المدرسة؛ لذا أسأل وأدين المدرسة: لماذا حدث ذلك؟!... لماذا المدرسة مغيبة دورها الرياضي ومهمة إيجاد ثقافة ووعي رياضي في المجتمع؟ أذكر هنا أن أحد الخلفاء قد أوصى معلم ابنه بأن يعلمه السباحة قبل الكتابة؛ فهو قد يجد من يكتب عنه، ولكن لن يجد من يسبح عنه! هل فطنت المدرسة لأهمية وقيمة الرياضة؟ لو أدركت ذلك لما أصبح اللاعب على الحال الذي وصفه به أستاذنا الكبير راشد الفوزان. وبمناسبة ذكر الدكتور راشد، هل تعلم أنه أحدث مايشبه الذهول لدى (منظومة الأمية الرياضية)؛ لكونهم أدركوا أن الرياضة لم تعد محصورة في الملعب ودهاليز التعاطي النخبوي، إنما هي ذات حضور واهتمام خارج الملعب أكثر بكثير مما كانوا يظنون ويدركون؟ تواجد أمثال الدكتور الفوزان وعابد خازندار وعبدالله بن بخيت وحسناء القنيعير ود. سعد العجاجي ومنيرة الشنيفي وقينان الغامدي وغيرهم من المثقفين والمستنيرين وأساتذة الجامعات... في التناول والطرح والنقد للواقع الرياضي، يقض مضاجع كتائب الأمية الرياضية، ويفسد هندسة بيتالعنكبوت الرياضي حسب ما يريدون ويهندسون. (تفاءل يا صاحبي، فلا يصح عدا الصحيح والصحي).
* يقول ميشيل الحاج رئيس القسم الرياضي لوكالة الأنباء الفرنسية بالخليج، ل(السلطة الرابعة) أيضاً إن بعض الصحف السعودية لم تكتف بحذف اسم الوكالة عن أخبارها بل تكتبها بأسماء محرريها... ثم يستغرب من عدم تطوير بعض الصحفيين الرياضيين السعوديين ليواكب تطور اللاعبين والمنتخب السعودي فنياً... أنتظر منك تعليقاً صريحاً.
- قاتل الله الأمية الرياضية وكتائبها وغرفة عملياتها التي تسببت في اجتياح كوادرها أغلبية مواقع العمل الصحفي الورقي والمرئي والإذاعي، وهذا هو ما جعل الأمر يكون حسب ما قال الحاج. إن حمى الهوس التشجيعي قاد إلى ذلك وسيقود إلى نكبات. هل علمت عن فضائحية الكتابات المغشوشة، أقصد (السطو والتزوير) في المقالة، والخبر، وحتى الصور؟ صحف المد الأصفر لم تعد تستحي أو تخجل حتى من السطو على الصور وتحريفها، ولك مثال فيما حدث لصورة مسؤول موبايلي وكذلك اللاعب تفاريس وياسر القحطاني، كل ذلك متوقع، ولكن الخوف من قادم يدمر مكتسب الصحافة الرياضية التي أنجبت - يوماً - أعلام الإعلام السعودي. خذ مثالاً رديئاً لما آلت إليه أمور الأمية الرياضية، وتصفح نشرة (المروجين) الوافدة، المدعومة من (عمو محسن)، وأخ خ خ من مجلس بلدي هذا نتاج منسوبيه!!.
* طالب الشيخ سعد البريك بمزاولة الرياضة البدنية في مدارس البنات مساء، وقال: (ليس ثمة ما يمنع منها شرعاً وعقلاً لبناتنا ونسائنا لتأمين الحد الأدنى من اللياقة لهن)... ما رأيك؟
- دعوة الشيخ متأخرة ربع قرن، وأخشى ألا تدخل التربية البدنية لمدارس البنات إلا بعد ربع قرن آخر. كنت قد دعوت إلى تأسيس رياضة نسوية في المملكة منذ عشرين عاماً، فيما كان الآخرون أفق همهم فانلة اللاعب وتمجيد أبو كوت وأبو بشت وأبو شرهة والثقاب الملتهب وموسيقار الغفلة. المحزن أننا ننتظر الرأي والموافقة والسماح من الدعاة والوعاظ لنبدأ خطواتنا، متجاهلين أهل الاختصاص والتخصص، والسبب أن (الواعظ) حل بديلاً عن (المثقف)؛ وبالتالي توارت (الثقافة) لتحل بديلاً عنها (الوعظية)؛ فأصبح المشهد السعودي مسيطراً عليه من قبل الوعظ والوعظية، وهذا في ظني أحد مآزق الإصلاح والتطوير في بلادنا السعودية الغالية. أعود للسؤال وأقول: إذا أردت واقعاً رياضياً صحياً وصحيحاً فعليك بتواجد الثقافة الرياضية لدى الأسرة، وطالما أن عمود الأسرة في البيت هو الأم فإن الأم الجاهلة بالرياضة تأكيداً لن تكون عاملاً مساعداً في تنشئة ونشوء الرياضة الصحيحة في بيتها ولدىأفراده ممارسةً وسلوكاً وعلاقةً. متى نفطن إلى هذه الحقيقة ذات الأهمية القصوى جداً؟!