Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/10/2007 G Issue 12808
الاقتصادية
الثلاثاء 12 شوال 1428   العدد  12808
تمويل الإرهاب
فضل بن سعد البوعينين

في العشر الأواخر من رمضان حذر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء، أبناءه الشباب من السفر إلى الخارج بحجة الجهاد في سبيل الله..

وأكد من خلال رؤيته الشرعية الشاملة أن الخروج (لما يُسمى بالجهاد في الخارج) يُوقع أصحابه في (العديد من المفاسد العظيمة).. سماحة المفتي أشار بوضوح إلى أن الخارجين لما يُسمى بالجهاد

(لم يبلغوا في العلم مبلغاً يميزون به بين الحق والباطل فكان هذا سبباً لاستدراجهم والإيقاع بهم من أطراف مشبوهة فكانوا أداة في أيدى أجهزة خارجية تعبث بهم باسم الجهاد يحققون بهم أهدافهم المشينة وينفذون بهم مآربهم في عمليات قذرة هي أبعد ما تكون عن الدين).. وأصبح الشباب السعودي هدفاً لأجهزة الاستخبارات، وسلعة يتم تسويقها، واقتناؤها ومن ثم بيعها بأبخس الأثمان.. شباب في عمر الزهور زُج بهم في أتون الحروب المشتعلة، تحت غطاء الجهاد المزعوم، امتلأت بهم سجون الأعداء، وتخلى عنهم زعماء (المجاهدين)، واستغلت قضاياهم للنيل منهم ومن أسرهم وأوطانهم.

سماحة المفتي، ومن خلال رؤيته الشرعية، وحبه الصادق، وغيرته على الإسلام والمسلمين، أوصى أبناءه الشباب بطاعة الله قبل كل شيء، ثم ولاة الأمر والارتباط بعلمائهم، وأوصى (أصحاب الأموال بالحذر فيما ينفقون حتى لا تعود أموالهم بالضرر على المسلمين).

إنفاق المال في أوجه الخير، وإيصاله إلى مستحقيه بات هماً يؤرق المنفقين، والسلطات الرسمية خصوصاً بعد ظهور معلومات مؤكدة تشير إلى أن جزءاً لا يُستهان به من أموال المحسنين يوجه نحو تنفيذ عمليات إرهابية تلحق الضرر بالإسلام والمسلمين.. لم تكن مصادفة أن كشفت بعض الجهات المصرفية عن زيادة حجم الحوالات الواردة من دول الخليج العربي إلى لبنان، بصورة لافتة، منذ اشتعال فتنة (نهر البارد) التي سُحقت مؤخراً.. قد يقبل البعض، على مضض، وجود مساحة لاختلاف (الفتوى الجهادية) لدى مشرعي الجماعات المسلحة في مناطق كالعراق وأفغانستان، إلا أن هذه المساحة يفترض أن تزول نهائياً حين يتعلق الأمر بأرض لبنان المحاصر والمستهدف من قِبل الإسرائيليين، وبعض القوى المجاورة.

نصيحة سماحة المفتي لأصحاب الأموال التي أطلقها قبيل انتهاء شهر رمضان المبارك صدرت في وقتها، على أساس أن شهر رمضان، عادة ما يشهد تحركاً استثنائياً لممولي القتال في الخارج من أجل جمع أكبر قدر ممكن من أموال الصدقات والزكوات تحت غطاء (دفعها لمستحقيها ممن لا تصلهم أيدي المحسنين). المال عصب العمليات الإرهابية، ولا يمكن لهؤلاء الشباب الخروج إلى المناطق الملتهبة دون الدعم المالي واللوجستي.. تجفيف منابع التمويل ربما كان المحور الأهم في سفر الشباب، وتمويلهم وإيوائهم في الخارج بحجة الجهاد، ومن خلال قطع هذا التمويل يمكن السيطرة أو الحد من عمليات الخروج المنظمة. ما زلت أعتقد أن جزءاً لا يستهان به من أموال المحسنين النظيفة التي ينفقونها في أوجه الخير تجد من يستغلها في تمويل عمليات دنيئة مخالفة لتعاليم الدين وأنظمة الدولة. كم من أموال المحسنين الأتقياء وصلت إلى أيدي الإرهابيين دون علم منهم.. أموال نظيفة وطاهرة تلطخت بدماء الأبرياء فعادت بالضرر على منفقيها والإسلام والمسلمين.. رغم المحاذير الشرعية والقانونية، والتحذيرات الرسمية ما زالت بعض أموال الصدقات تدفع نقداً، بحسن نية، إلى أطراف وسيطة بغرض إيصالها إلى مستحقيها على الرغم من توفر القنوات الرسمية التي يمكنها التعامل مع أموال الصدقات وإيصالها للفقراء والمساكين في جميع مناطق المملكة.. أموال المحسنين التي يُعاد توجيه بعضها، دون علم أصحابها، لتمويل عمليات إرهابية خارجية، أو داخلية قد تكون أشد ضرراً في حال تمريرها عبر النظام المصرفي.. اكتشاف مثل هذه الأموال قد تجر القطاع المصرفي بأكمله إلى مناطق معتمة يصعب الخروج منها.. الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوربية شرعت في مقاضاة بعض البنوك العربية لأسباب متعلقة بتمويل الإرهاب.. عدم معرفة تلك البنوك بطبيعة المستفيدين من الحوالات المصرفية التي مرت من خلالها، وتوجهاتهم، ونواياهم لم يحمها من الملاحقة القانونية وفرض العقوبات الصارمة والغرامات الضخمة عليها.

الملاحقات القانونية، ووسائل الضغط الدولية أدت إلى إغلاق فروع بعض المصارف العربية في الدول الغربية، وكادت أن تقضي على مصارف عريقة لأسباب تتعلق بتمرير حوالات مالية طبيعية ونظامية أثبتت التحقيقات وقوع بعضها في أيدي متهمين بقضايا الإرهاب.

إذا كان الدين الحنيف قد حث على البذل والعطاء وأوجب إخراج الزكاة، فإنه حرص على تحديد مصارفها الشرعية بنص القرآن الكريم، ما يوجب على المنفقين تحري الدقة في إيصال صدقاتهم إلى مستحقيها مباشرة، أو إلى الهيئات الشرعية، والاجتماعية المصرح لها رسمياً، إن أرادوا لها القبول والإجابة، ولهم البراءة من تمويل الخارجين على الدين والقانون.







f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد