Al Jazirah NewsPaper Tuesday  23/10/2007 G Issue 12808
الاقتصادية
الثلاثاء 12 شوال 1428   العدد  12808
القضاء وتنشيط الاستثمار
د. عقيل العقيل

لست قاضياً ولست محامياً ولست متخصصاً بالشؤون القضائية، ولكني مواطن مهتم بالشؤون الاقتصادية، وبما ينشط أو يثبط اقتصاد بلادي، وأنا على قناعة تامة بأن القضاء يشكل عنصراً مهماً في تنشيط أو تثبيط الاقتصاد الوطني باعتباره يشكل حافزاً أو عائقاً أمام المستثمرين الذين يبحثون عن الاستثمار الآمن ذلك أن رأس المال جبان لا يستقر بل يهرب أينما وجد المتاعب والمصاعب والعراقيل.

ولقد كنت في أحد الأيام في نقاش حاد مع مستثمر أجنبي، وقال لي بالحرف الواحد: إن الفرص الواعدة في بلادكم مغرية وجاذبة فهي في قطاعات نامية تحقق أرباحاً مجزية خصوصاً الاستثمارات في مجال الطاقة، ولكننا نفضل الاستثمار في دول أخرى فرصها الاستثمارية أقل جذباً لكنها تتميز ببيئة اقتصادية مستقرة وواضحة، مؤكداً لي بأن البيئة العدلية في المملكة تشكل أحد أكبر العوائق التي تعيق الاستثمارات في المملكة.

هذا ما يراه المستثمر الأجنبي بخصوص عدم وضوح إجراءات التقاضي والتنفيذ حال نشوء أي خلاف بين المتعاملين لأي سبب كان كعنصر مثبط للمستثمرين الأجانب، أما بالنسبة للمستثمر، فهناك الكثير ممن يرى أن زهداً كبيراً بالاستثمار في مجال العقارات الاستثمارية (الوحدات السكنية المخصصة للإيجار) نشأ عن ضعف الجهاز القضائي في حماية المستثمرين من تخلف المستأجرين عن السداد، حيث يعاني المستثمرون من عدم التزام المستأجرين بسداد الإيجارات في وقتها إن لم يكن عدم سدادها إلى الأبد دون رادع عدلي، فلكي تأخذ حقك من مستأجر متخلف عن السداد عليك أن تتفرغ لتلك المهمة بما يكلفك أكثر الإيجار الفائت أو الضائع، والحل الأمثل هو تكليف مكاتب تحصيل وتحميل تكلفتها على المستأجر الملتزم بالسداد (يعاقب بجريرة المتخلف)، أو بالعزوف عن هذا النوع من الاستثمارات والتوجه للاستثمار في المضاربات على الأراضي البيضاء، وكل ذلك أسهم بارتفاع الإيجارات وظلم الجميع من ناحية كما أسهم في ارتفاع الأراضي البيضاء من ناحية أخرى.

منتدى الرياض الاقتصادي قبل نحو سنتين في دورته الثانية بحث وحلل وشخص البيئة العدلية في بلادنا، وقدم توصيات رفعت لمجلس الاقتصاد الأعلى وتم دراستها على أعلى المستويات، وهاهي التوصيات تتحول إلى قرارات بمراسيم ملكية أطلقها خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - قرارات أسعدت الجميع في شهر الخير والرحمة، حيث وضعت الأطر الرئيسة لتطوير العمل القضائي في بلادنا ليواكب التطورات العالمية التي تستدعي وجود أنظمة قضائية شفافة وواضحة كمتطلب من متطلبات الانضمام للمنظمات الدولية كمنظمة التجارة الدولية التي التحقت بها المملكة مؤخراً. وما يخيفنا حقيقة أن يتخلى منتدى الرياض الاقتصادي كمرجعية تحليلية وفكرية اقتصادية عن دوره المنتظر في إثارة حوار صحي بين كافة الجهات المعنية لتفعيل هذه القرارات بأسرع وقت ممكن من خلال اقتراح جداول زمنية معقولة لتوفير متطلبات تفعيلها من كوادر بشرية مؤهلة ومن مؤسسات تعليمية وتدريبية قادرة على تخريج تلك الكوادر ومن مبانٍ متطورة وأنظمة معلوماتية حديثة وأجهزة تنفيذية قادرة على تنفيذ الأحكام في الوقت المناسب إلى غير ذلك من المتطلبات، ومن خلال عرض العوائق المحتملة وكيفية التصدي لها بجهود جماعية للتغلب عليها وتحييدها إن لم يكن بتحويلها إلى محفزات بطريقة ابتكارية ذكية.

وأقول منتدى الرياض الاقتصادي لأنه منتدى العاصمة الذي وقف وراء هذا الموضوع بمنهجية علمية راقية جعلت جميع الجهات ذات الصلة تتفاعل إيجاباً معه حتى صدرت القرارات، ومن المتوقع أن تستمر تلك الجهات بالتفاعل معه للإسراع في تفعيل تلك القرارات متى ما أخذ على عاتقه تلك المهمة، خصوصاً وأنه منتدى كيان وليس نشاط كيان مستمر بنشاطه طول العام وهو ما سيمكنه من متابعة حث كافة الجهات لتفعيل تلك القرارات من خلال كافة الوسائل والأنشطة الاتصالية المباشرة وغير المباشرة المتاحة.

وأعتقد أن من أهم ما يجب تسليط الضوء عليه وإثارة حوار صحي حياله بين كافة الجهات ذات الصلة هو (مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير مرفق القضاء) الذي خصص له ميزانية تبلغ 7 مليارات ريال لتنفيذه على أرض الواقع وتحقيق غاياته، وكلي ثقة بأن منتدى الرياض الاقتصادي وهو جهة علمية حيادية مقدرة لدى الجميع تعمل على تحسين البيئة الاقتصادية في بلادنا ستلعب هذا الدور الحيوي والمهم دون تردد لنسرع في تحقيق النقلة النوعية لقضائنا السعودي لنخفض من مسافة الألف ميل التي سنقطعها إلى أقل مسافة زمنية ممكنة بعد أن قطعنا الميل الأول بنجاح بجهود تراكمية تكاملية صادقة وحثيثة من كافة الأطراف ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بالبيئة العدلية في بلادنا.



alakil@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد