ستظل باكستان تذكر - ولمدة طويلة - يوم الخميس الذي حفل بالتناقضات، فقد بدأ اليوم مجلَّلا بأهازيج الفرح بعودة بنازير بوتو من منفاها الاختياري وانتهى بالدماء والدموع..
وكانت هناك كثرة في كل شيء في ذلك اليوم، حيث استقبل بوتو ما يقارب نصف المليون من أنصارها، فيما لقي حوالي الـ150 شخصاً مصرعهم في تفجيرين استهدفا موكبها وأصيب المئات بجراح، وبدا ذلك اليوم طويلا على غير العادة بسبب كثرة الأحداث فيه، والأرقام المهولة التي احتوى عليها، وبسبب الاحتمالات التي رسمها لمستقبل بلد مثخن بالجراح والتوقعات المهولة لأنشطة إرهابية..
التفجيران أعادا إلى الأذهان بقوة زخم الكوارث والخلافات في عائلة بوتو، والتي انعكست على وحدة حزب الشعب سلبا، كما أعادا إلى الذاكرة وقائع مقتل ذو الفقار علي بوتو، والد بنازير ورئيس وزراء باكستان الأسبق، حيث كررت بنازير توجيه الاتهام إلى أنصار ضياء الحق بأنهم وراء تفجيري كراتشي، وكانت دوائر حزبها اتهمت ضياء الحق بقتل والدها.
وستظل أصابع الاتهام تتقاطع في سماء بلد ملبد بالغيوم السياسية، ومتخم بكل الاحتمالات الدموية، لكن من الواضح أن تفجيري كراتشي شكَّلاً عاملاً جديداً لتوثيق وتعزيز ما أشيع مؤخراً من تقارب بين الرئيس الباكستاني برويز مشرف وبنازير بوتو، فالاثنان عازمان على محاربة الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة، وكانت بوتو توعدت بأنه حال وصولها إلى السلطة ستسعى إلى استئصال المتشددين، فيما ينخرط مشرف أصلا في محاربتهم، وهم الذين دبروا أكثر من محاولة لاغتياله.
ويبدو أن المتشددين حاولوا استباق بوتو والقضاء عليها قبل أن تنقضَّ عليهم، ومن الواضح أننا إزاء واقع جديد وسجال من نوع دموي في باكستان، فما جرى يوم الخميس من استقبال حاشد ومن تفجيرات فاجعة وكارثية يشير إلى شحن نفسي بين مؤيدي ومعارضي بوتو وبطريقة تتجاوز التعاطي السياسي الطبيعي الذي يمكن من خلاله الاحتكام إلى مقتضيات الديموقراطية في الصراعات.
وسيكون لكل هذه الأحداث والأوضاع السياسية والنفسية تأثيراتها على الانتخابات المقررة في يناير المقبل، وهو موعد ليس ببعيد، وقد تعيد هذه الانتخابات السيدة بوتو إلى رئاسة الوزارة خصوصا في ظل الترتيبات الجارية بينها ومشرف لاقتسام السلطة، ويعني ذلك في الغالب الأعم استمرار الصراعات الحالية وملاحقة المتطرفين في مناطق القبائل، في ظل تماثل موقفي بنازير بوتو ومشرف منهم.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244