الرياض - هلال القرشي
عندما تتجول في شوارع العاصمة الرياض قبيل أذان المغرب يلفت نظرك تلك السيارات على جنبات الطريق التي تروج لعدد من المشروبات الرمضانية، فهذه سيارة وضع صاحبها دعاية لمشروب التوت، والأخرى تحمل إعلاناً لمشروب السوبيا، وتلك ترتدي لوحةً قماشية تحوي إعلاناً لمشروب قمر الدين، وما يلفت نظرك أيضاً أن غالبية من يمارسون هذه المهنة من (فئة الشباب) الذين لم تتجاوز أعمارهم الثلاثين...
(بزنس) مؤقت
إنه (بزنس) رمضان كما يسميه أحمد بانعمة الذي التقيناه أمام سيارته يروج لمشروب السوبيا الذي اشتهر في المنطقة الغربية، حيث يقول (قبل رمضان أمارس تجارة بيع البليلة، أما الآن ولمدة شهر سأبيع السوبيا؛ لأن الإقبال عليها منقطع النظير في هذا الشهر)، وعند سؤاله عن مصدر السوبيا أجاب: (نأتي بموادها الخاصة من مدينة مكة قبل شهر رمضان، ويبدأ الأهل في إعدادها، وأبدأ أنا في بيعها)، والحقيقة أن أحمد كان غامضاً نوعاً ما، فلم يرض أن يجيبنا عن مكونات السوبيا، وصلاحيتها، وقد يكون ذلك بسبب ما يسمى (سر المهنة)، ولكننا وبعد جهد استطعنا أن نحصل على جوابٍ لسؤالنا له عن مبلغ الدخل اليومي له، وأجاب بدبلوماسية عندما قال: (ستر والحمد لله) فألححنا عليه، فأخبرنا أن دخله اليومي يصل إلى 500 ريال، خصوصاً في الأحياء الشعبية في مدينة الرياض.
إقبال منقطع النظير
يضيف باناعمة: إن مشروب السوبيا الذي يبيعه يحظى بإقبال منقطع النظير لدى سكان الرياض لأنه بالنسبة لهم يعد مشروباً موسمياً، ويضيف أن الإنسان بطبيعته يحب الشيء الغريب وكثيرٌ من عملائنا هم ممن تذوقوا السوبيا عندنا أول مرة، وبعد ذلك داوموا على شربها، ويضيف بانعمة أنه لديه عملاء VIP تصل السوبيا إلى منازلهم، كما أكد لنا أنه يتلقى اتصالات للحجز قبل شهر رمضان.
الرقابة الصحية
أكد أحد تجار السوبيا والتوت أنه لا توجد أي مراقبة من الجهات المعنية، وعزا ذلك لكونهم يبيعون منتجاتهم في الوقت الضائع، ولا تتواجد سيارات الأمانة أو البلدية في الشوارع، وهذا ما يحذر منه أحد المواطنين، إذ يقول: إن السوبيا والتوت غالباً ما تحتويان على مواد خاصة وصبغات يجلبها الباعة من محلات العطارة، ودعا إلى عدم التضييق على الشباب في تجارتهم ولكن المطلوب فقط توفير رقابة صحية تتأكد من صلاحية هذه المواد، إلا أن أحمد العنزي وهو أحد المدمنين - على حد قوله - على السوبيا يقول: إنه زبون لدى أحد الباعة منذ 10 سنين، ولم يتضرر يوماً لا هو ولا أفراد عائلته من هذه المشروبات.
أسماء مستعارة
خلال جولة الجزيرة بين سيارات السوبيا والتوت استوقفتنا أسماء (المعلمين) فأحدهم يدعى شطيف والآخر يدعى مكاوي، وهناك بائع وضع على سيارته اسم (الفياجرا) في إشارةٍ إلى ما يحويه مشروب التوت من قوة، ويقول المعلم مكاوي أن استخدامهم للأسماء المستعارة يأتي كوسيلة تسويقية، وكذلك ارتداء البائع للباس المكاوي، من العمة والثوب أو ما يسمى بالفوطة، وما هي إلا وسيلة لجذب الزبائن والتأكيد على أن هذه السوبيا فعلاً من مكة.
وظائف مؤقتة
ويؤكد مصطفى الحاج أحد البائعين أن هذه الوظيفة تعد بالنسبة له وظيفة مؤقتة، حيث لا يبتاع الناس السوبيا إلا في رمضان، أما في باقي الشهور فالسوبيا ليست حاضرة، ويضيف أنه يبحث منذ 4 سنوات عن وظيفة، لكنه لم يجد، ويؤكد أنه يعمل باقي السنة في نقل الركاب على سيارته الخاصة في مكة، وعند سؤاله عن سبب قدومه للبيع في الرياض وعدم جلوسه في مكة، أجاب (المعلمين هناك كثير)، في إشارة منه إلى أن مكة تنعم برموز معروفة تقصد لبيع السوبيا وغيرها من المشروبات الرمضانية.
منافسة الأجانب
وفي أحد الشوارع الأخرى قابلنا الشاب محمد العتيبي تاجر التوت الذي حكى لنا بألم عما يفعله بعض أفراد الجالية اليمنية من تلاعب في تجارة هذا المشروع، إذ يقول: إنهم يبيعون لنا الكمية بمئة ريال لنفاجأ أنها تباع بالقرب منا بخمسين ريالاً، ويرجع سبب ذلك لأنهم يقومون بخلط التوت مع كمية كبيرة مع الماء والألوان الصناعية، ونحن كسعوديين وأبناء بلد لا نرضى ذلك، ويضيف (بدأت تجارتي في رمضان 1425هـ وحققت مكاسب عالية - ولله الحمد - إلا أن غلاء الأسعار خلال العام الماضي وهذا العام سبب لنا ربكة، حيث لم نعد نحقق أرباحاً كما في السابق).
الغلاء مشكلة
وعند سؤالنا لمحمد عن نسبة الضرر التي لحقت به في تجارة التوت أجاب (الحقيقة أن غلاء الأسعار شمل كل شيء، فهذه السيارة التي أحمل فيها التوت كنت أستأجرها بخمسين ريالا يومياً لمدة شهر.. أما الآن فلا أجد سيارة مناسبة بأقل من سبعين ريالا يومياً، كما أن مشروب التوت مرتبط بالفواكه التي ارتفع سعرها، والمشكلة أن الزبون يرى أنني استغلالي عندما أرفع سعر المشروب، ولا يفكر في أنني ضحية مثله).