أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع عند 7765 نقطة خاسراً حوالي 165 نقطة ما يعادل نسبة 2.07%، وقد تزامن هذا الهبوط مع تصدع كبير في مستوى السيولة اليومية المتداولة التي انحدرت إلى قاع جديد عند 3.7 مليار ريال يوم الثلاثاء.. وقد برزت على الساحة العديد من الاتجاهات لتفسير هذا الانحدار المفاجئ والملحوظ.. فالبعض فسر ذلك بحالة الاضطراب التي سببها إعلان ساما عن تراجع أرباح البنوك التجارية، وذلك رغم تراجع ساما عن هذا الإعلان وتصحيحه سريعاً لتصبح أرباح البنوك في المضمار العادي وغير المتردي.. في حين لجأ البعض الآخر إلى تفسير التراجع نتيجة الركود الشديد الذي تشهده حركة التداول في السوق.. إلا أن أطرافاً أخرى تعتقد في أن التجهيزات للحرب على إيران باتت مؤكدة وبالتالي فإن العامل السياسي أصبح يلعب دوراً كبيراً في هروب أعداد هامة من أصحاب المحافظ الاستثمارية الكبيرة.. وبجانب كل هؤلاء يوجد فريق آخر متمسك بفرضية أن التاريخ يعيد نفسه في سوق الأسهم، وأن هذا الهبوط ما هو إلا تكرار لسيناريو الهبوط في العشرة الأخيرة من رمضان الماضي.. وهنا نتساءل حول مدى صدق أي من هذه الآراء؟ أكثر من ذلك، فقد بدأت تساؤلات كبيرة تدور حول مدى استعداد السوق لإطلاق النظام الجديد لتداول:
80 نقطة في يوم واحد
على مدى الأيام من السبت وحتى الثلاثاء استمرت وتيرة مسار التذبذب الضيق للمؤشر، حيث ظل المؤشر يتحرك ما بين رابح وخاسر بنسب طفيفة، حيث خسر السبت 61 نقطة، وخسر يوم الأحد 36 نقطة، إلا إنه ارتد الاثنين ليربح 14 نقطة، ثم استقر نسبياً الثلاثاء ولم يخسر سوى نقطتين فقط.. إلا أنه وفجأة انحدر في مسار هبوطي شديد يوم الأربعاء ليغلق على 7765 نقطة، خاسراً 80 نقطة.. الأمر الذي تتسبب في خسارة المؤشر هذا الأسبوع حوالي 165 نقطة أو ما يعادل 2.1%.
سيناريو هبوط رمضان الماضي
لقد تناولنا في تقرير الأسبوع الماضي والسابق له عن احتمال حدوث هبوط ملحوظ للسوق ككل في الأيام الأخيرة من شهر رمضان، وذلك قياساً على ما حدث في نفس الفترة من العام الماضي، فقد انحدر المؤشر فجأة في الأسبوع الأخير من رمضان بحوالي 628 نقطة في يوم واحد، تلاها مسار ضيق في حدود المائة نقطة حتى حلول إجازة عيد الفطر، ثم ما لبث المؤشر أن دخل في مسار هابط قوي أوصله إلى مستوى 8019 نقطة في يوم 11 نوفمبر، أي أن السوق خسر 27% تقريباً خلال الأسبوع الأخير من رمضان والأسبوعين التاليين للعيد مباشرة.. والأمر المستغرب أن هذا الهبوط لم يكن مبررا آنذاك ولم يوجد تفسير له.. لسوء الحظ أن هبوطاً ملحوظاً حدث يوم الأربعاء الماضي أفقد المؤشر 80 نقطة.. وقد يظن البعض أنها رقم صغير لا ينبغي الاهتمام به، إلا أن هذا القول مردود عليه بأن المؤشر وصل إلى مستوى صعب، ومن ثم كل نقطة سيفقدها بعده تبدو هامة وذات مدلولات كبيرة.. فكيف ولماذا حدث هذا الهبوط؟
ضعف وغياب الزخم يؤهل المؤشر للسقوط
من المنطقي أن تضعف مقدرة المؤشر على المقاومة ليس عند 7700، لكن ربما عند مستويات أدنى منها بكثير، نظراً لغياب قدر هام من المستثمرين وأصحاب المحافظ الكبيرة والمتوسطة، فالجميع يعلم بأن الكثيرين يحجمون عن التداول في العشرة الأخيرة من رمضان... وهؤلاء يخرجون من السوق بسيولتهم.. وهم رابحون بخروجهم ورابحون بدخولهم أيضاً بعد العيد.. فخروجهم يسقط المؤشر بنسب كبيرة، ثم يأتون بعد العيد ويلتقطون الأسهم بأسعار هابطة.. لكن صفة التعمد هنا غير موجودة لأن لديهم مبرراً آخر للخروج غير مبرر الربح، وهو مبرر الاعتكاف أو الابتعاد في العشرة الأخيرة..
تقرير ساما الخاطئ
عن أرباح البنوك
أسهم البنوك تعيش هذه الأيام حالة من فقدان الهوية التامة، ففي الأسبوع الماضي كانت التوقعات كبيرة بضخ الخليجيين سيولة كبيرة في أسهم البنوك التي فُتحت لهم لأول مرة، لكن تحرك القطاع البنكي لم يكن بالشكل المرغوب آنذاك.. تلاها هذا الأسبوع صدور تقرير ساما ليظهر تراجعاً كبيراً في أرباح هذه البنوك.. ورغم أن ساما سحبت هذا التقرير وصححته، إلا أن أسهم القطاع البنكي لحقت بها تراجعات كبيرة وملحوظة وبخاصة يوم الأربعاء عند إشاعة الخبر.. إن القطاع البنكي لم يعد كما كان في بداية عام 2006 فهو الآن يقبع في زاوية ضيقة نتيجة تكالب الكثير من الجهات والأطراف عليه بسحب ميزة أو تميز كانت البنوك تنفرد بها.. فسحب بساط الوساطة، ومن ثم ضياع إيرادات العمولات، ثم سحب صناديق الاستثمار، ثم أزمة الرهن العقاري العالمية، ثم تخفيض بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، وأخيراً ضعف الإقبال على الائتمان البنكي نتيجة أزمة سوق الأسهم، وربما يُقال زيادة حجم القروض المتعثرة على كبار عملاء الأسهم، وغيرها من العوامل التي أضعفت الأوضاع المالية للبنوك.. إن النتائج المالية للبنوك لا يتوقع أن تعاود مستوياتها خلال عام 2006 وبخاصة في ظل المنافسة الكبيرة التي باتت تظهر من البنوك الأجنبية التي استقرت في السوق المحلي الآن.. بل إنه لسوء الحظ أن تأثيرات تلك العوامل المذكورة قد تظهر سلبياتها على المدى المتوسط إلى الطويل.. وبالتالي فإن البنوك المحلية مضطرة إلى البحث الجدي عن سبل ووسائل جديدة لتعويض ما فقدته وباتت تفقده من نشاطات كانت تقوم على الوضع الاحتكاري.
البنوك حققت أعلى أرباح في تاريخها في عام أزمة الأسهم
المتتبع للأرباح التراكمية للبنوك المحلية يلحظ نوعاً من الصعود القوي بداية من عام 2005، حيث وصل هذا الصعود إلى أقصاه في عام 2006 وهو العام الذي حدثت فيه الأزمة.. فالبنوك ارتبطت أرباحها طردياً مع تنامي أزمة سوق الأسهم... لكن الآن ومع بدء استقرار نسبي في السوق بدأت أرباح البنوك تتقلص حتى تكاد تكون وصلت إلى أدناها هذا الشهر بنحو 2.4 مليار ريال.. ومن المتوقع أن تصل أرباح البنوك التراكمية لعام 2007 إلى 28 مليار ريال تقريباً، بما ينحدر بها إلى مستوى يقارب مستوى 2005 من جديد.
الاضطراب السياسي
تثار شائعات كبيرة هذه الأيام بأن هناك حالة هلع بين كبار المستثمرين بسبب توقع الضربة الأمريكية لإيران، ومن ثم فهناك هروب من أسواق الأسهم إلى سوق الذهب بالشكل الذي تسبب في ارتفاع أسعار الذهب حتى وصلت إلى 745 دولاراً للأونصة في 1 أكتوبر الحالي (بزيادة 16% عن بداية العام) وهو سعر تاريخي لم يحققه الذهب من قبل.. لكن هذا القول مردود عليه، بأنه لماذا السوق السعودي بالتحديد هو من يستجيب لهذا الاضطراب؟ وألا يُوجد من بين الأسواق الخليجية ما هو أقرب للحدود الإيرانية؟ فلماذا لم تتأثر بورصاتها بذلك؟ أكثر من ذلك، فإن البورصة الإيرانية ذاتها لم تتأثر ولم تهبط مثلما هبط السوق السعودي الأربعاء الماضي؟
كسر سهم المملكة القابضة لمستوى القيمة الاسمية
من الأمور المستغربة هذا الأسبوع كسر سهم المملكة القابضة لمستوى قيمته الاسمية عندما هبط سعر السهم إلى 9.75 ريال خاسراً 7.14%، وهو مستوى قياسي غير معتاد عليه بالسوق، وبخاصة في ظل معرفة أن السهم يُعد من الأسهم الاستثمارية، وأنه لا يزال حديث العهد بالسوق، وبالتالي يفترض أن يكون غير متضخم.. إن نسبة الخسارة التي لحقت بالسهم هذا الأسبوع تبدو كما لو كان السهم يصحح نفسه.. وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول أنه إذا كان السهم قد بلغ الـ 9.75 ريال في ضوء أزمة طفيفة طارئة.. فإلى أين يمكن أن يسير إذا استعاد السوق (لا قدر الله) مساره الهابط الطويل؟ وهل يمكن توقع كسر أسهم أخرى لقيمها الاسمية؟
هبوط قوى لكافة الأسهم ذات مكررات الربحية (س وغ)
شهد هذا الأسبوع هبوطاً لأسهم بعينها بشكل أكبر من الأخريات، حيث تركز هذا الهبوط بشكل كبير وبنسب تفوق الـ14% لكافة الأسهم التي مكررات ربحيتها إما سالبة (س) أو غائبة (غ)، فقد أحرزت هذه الأسهم هبوطاً يومياً بنسب ما بين 2 إلى 3% تقريباً.. وتمثلت هذه الأسهم في مبرد والباحة وثمار وشمس وميدغلف وأليانز وسلامة وولاء والدرع وسند والهندية واتحاد الخليج والأهلي تكافل واسيج والأسماك والشرقية الزراعية.. فما الذي يجمع هذه الأسهم؟ تقريباً معظمها أسهم مضاربة وغالبيتها تنتمي لشركات صغيرة، بل وأكثرها تزيد قيمته المطلقة عن 50 ريالاً.. إن هبوط هذه الأسهم ليدلل على أن تصحيحاً انتقائياً يتم بالسوق لا يرتبط بأي أزمة سواء لأرباح بنوك أو أزمة سياسية أو غيرها.
هل السوق مهيأ لاستقبال
نظام تداول الجديد؟
أعلنت شركة تداول على موقعها عن مزايا النظام الجديد، حيث أشارت إلى أنه مزود بنظام فعال لمراقبة الأداء ومتابعة العمليات والصفقات المتداولة التي تتم عن طريق النظام، فضلاً عن متابعة من تداول لضمان عدم وقوع مخالفات لأنظمة ولوائح السوق.. إن النظام الجديد سيسهل ويسرع ويضمن مصداقية التداول، بما سيفيد هيئة السوق في رقابتها.. وسيفيد أولئك الذين يرغبون في الاستثمار النظيف.. وسيسهل إدارة العمليات لأولئك الذين يرغبون في تداولات نقية على المدى المتوسط.. لكن كيف سيكون الحال بالنسبة لأولئك الذي يضاربون في السوق وهم الكثرة؟ بل وسيولتهم هي المحركة للسوق إجمالاً؟.. إن النظام الجديد ربما سيمنع هؤلاء المضاربين من كثير من العمليات التي يقومون بها يومياً، تلك العمليات التي ومنذ 26 فبراير 2006 وحتى الآن كانت هي الضمان لاستمرار السوق، وبالتالي فإن النظام الجديد وبخاصة في ظل مقدرته على متابعة من تداول، قد يتسبب في منع جبري لكثير من المضاربات، وبالتالي قد يتسبب في ركود كبير للسوق.. إن هذه الخطوة بإطلاق النظام الجديد هامة ومطلوبة، لكن هل السوق والمتداولون مهيأون لها؟ وهل هناك من يضمن أن هناك سيولة استثمارية ستدخل السوق وتعوض إحجام المضاربين خوفاً من النظام الجديد؟ هل لدى هيئة السوق خيار تقبله هذه الفئة المركزية بالسوق لكي تبقى به؟
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com