Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/10/2007 G Issue 12787
الريـاضيـة
الثلاثاء 20 رمضان 1428   العدد  12787
للعقل السليم
نادي الناس
تركي ناصر السديري

فعلاً يبقى نادي الاتفاق بالدمام، النادي الرياضي الوحيد الذي ما زال محافظاً على أصالته، ولم تمسه تلويشيه الطارئ من النفعيين والجشعين والسماسرة الباحثين عن المال ومغانم الشهرة والجاه والزبرجة، وهو النادي الرياضي الذي يظل متماسكاً وممسكاً بثوابته الرياضية وقيمها السامية، بفضل سور صرحه وكيانه الذي لا يتحول إلى جدار قصير أو بوابة مشرعة لكل من هب ودب ممن لا علاقة له بالرياضة ولا برسالتها النبيلة.

لهذا بقى نادي الاتفاق.. هو نادي.. الناس منهم تواجد، وبهم يتواجد، ولهم لم يتلوث بأمراض الآخرين، ولم يستولِ عليه الأغراب ومن لا دخل لهم بالرياضة.. ولا هم يحزنون. بقي نادياً وفياً للرياضة وقيمها، لمبادئ مؤسيسيه الرجال الأفذاذ، لم يرضخ، ولا يركع، ولا يميع كأسكريم أمام إغراء المال والمنافع المشبوهة، ولهذا يزداد مدرجه اتساعاً، وهيبة، ونقاء.. حتى بات أكثر أندية الوطن السعودي محبة واحتراماً ومؤازره لدى جماهير الرياضة السعودية..المنعتقة من قبيلة التشجيع الجاهلية.

لا يملك الاتفاق أنقى أندية الوطن وأعرقها.. آلة إعلامية تحشد الحناجر والكفوف والدراهم والمراهم للترويج له ولمُلاكه، ليس للاتفاق ما مثل هذه (الهيصة).. لكونه لا يحتاجها، ولا يريدها، ثم إنه أساساً (كامل الاستقلالية) فهو للناس، ومنهم، لا (يملكه) و (لا يستملكه) أحد ولا يخضع لنفوذ وهيمنة (احتكار القلة) الجميع في الاتفاق سواسية، وفضاء العمل الجماعي والديمقراطي الحقيقي (وليس المزيف والمصطنع).

ما دعاني لتسطير ما سبق، فعل فعله نادي الاتفاق الأسبوع الماضي، حين أقام كعادته مناسبة رياضية حميمة، يلتقي فيها كل الاتفاقيين مع بعضهم البعض، بكل جو ودٍ رحب وصادق، لا تشغله وتحتكره أثقال ورتابة لمعان المشالح، ومعايير التراتيبية الفشخرانية، وفلاشات آلة كتائب (الجهات المختصة) الإعلامية، إن ما يضيء احتفالية الاتفاق ويظلل أجواءها الحميمة والصادقة.. نقاء القلوب ومصداقية الانتماء لرياضة الوطن الغالي، وقيم ومكارم الرجال الأنقياء.. الذين لا دخل لهم في التجارة ولا المتاجرة ولا أمراض الاستحواذ والسيطرة التي لا تشبع ولا تخجل من ارتكاب الآثام.

في احتفال الاتفاق الأخير والذي حمل شعار (ليلة الوفاء) التقى عدد كبير من رواد رجال الاتفاق القدامى، لاعبين ومنسوبين ومشجعين ومحبين وكل رياضي ينتمي إلى قيم الرياضية وليس ضرورة أن يكون مشجعاً أو منتسباً للاتفاق.

الله.. الله للذي يقدمه لنا الاتفاق ويكفي أن يعيد للنفوس المطمئنة مزيداً من الطمأنينة على أن ما زال في أندية الوطن من يرجى منه الخير فأولئك الذين لم يركعوا أمام تغيرات الزمان وإغراءاته وظلوا رجالاً أوفياء لقيم الرياضية الأصيلة التي على أساسها تأسس النادي الرياض بداية وأساساً.

الله... الله، للاتفاق الكيان الأصيل، الذي لم يتلوث بعد والذي بقى صامداً، مستقلاً، لناسه، ورجالاته ومبادئ مؤسيسيه النبلاء.

يقول رئيس الاتفاق المستنير والمملوء عقلاً وحكمه ورزانة: النادي يحتاج لأبنائه دائماً.. ولتواصل الأجيال.

نادي الاتفاق هو الوحيد الذي قدم للوطن مدرباً إنجازياً.. دون ضوضاء ولا دعم، ولا حظوة، ولا فرض. أعني (خليل الزياني).. الرمز الأبدي للكرة السعودية دون أن يرتدي مشلحاً مذهباً.

أنا شخصياً، أميل للاتفاق، وأنحني له قيم وتاريخ وإنجاز.. واختاره نادياً مفضلاً، إنحاز له، وأشجعه قد يسأل أحد: وماذا عن الهلال!.

أجيب: أين الهلال؟! لم يعد موجوداً، إنه مفقود، ولأنني كمثل الهلاليين والاتفاقيين والوحداويين.. وبقية جماهير أندية النقاء والمحبة: ميزان الاختيار والانتماء لدينا (رياضي وعلمي.. بحت).. ولا نرهن الاختيار والانتماء لهوى وعاطفة حمية القبلية الجاهلية، ولا لخيارات وإغراءات الولاء الحزبي أو العقدي المتطرف.. (بوصلة) الاختيار تتحدد في كل زمان ومكان على المعيار الرياضي والعلمي. ولأن (الهلال اليوم) في حالة... غياب فسأدعو أن يفك الله كربته،

فقد.. (غاب) هلال الشعب، هلال بن سعيد..

الرياضة.. والكنيسة!

وقف رجال الكهنوت الكنسي موقفاً معارضاً ورافضاً ومحارباً للرياضة في القرون الوسطى.

وقد عملت الكنيسة على تغييب الرياضة من المناشط العامة، بل إلغاؤها في المدارس، حتى أنها استطاعت بنفوذها وهيمنتها وسيطرتها على المجتمع والدولة آنذاك من حذف التربية البدنية من المناهج المدرسية، بل وألغت كثيراً من الألعاب والرياضات بحجج ومنطقيات دينية منغلقة لا علاقة لها بأصول الدين الصحيحة حسب الديانة المسيحية حيث اعتبرت أن الجسم أداء للخطيئة وأنه آيل للفناء عديم القيمة للإنسان الذي يسعى إلى الخلاص الأبدي.. إلى جانب هرطقات وهلوسات غيبية لا تتفق مع المنطق والعقل والحقيقة (انظر إلى ديوبولدب وفان دالين تاريخ التربية البدنية).

هذه النظرة الكهونتية المسيحية المنغلقة في القرون الوسطى نظرت إلى الجسم الإنساني نظرة يحددها التدني والحط من شأنه ولهذا حارب رجال الكنسية الرياضة وحكموا على الجسم بأنه مصدر كل شر وإثم ولذلك حكموا على الرياضة من أنها أعمال طيش ونزت ولا شيء يدعو إلى ممارستها إلى درجة (التحريم) وتحريم أي نشاط أو حتى أي فعل حركي بدني رياضي يوم الأحد!! وظل هذا الأمر محرماً حتى عام 1924م!! بل إن هناك مادة في نظام الاتحاد الإنجليزي كانت تمنع إقامة أي مباراة يوم الأحد.. حتى عام 1960م!! أما قضية الملابس والسراويل أثناء مزاولة النشاط الرياضي فقد كانت تخضع لشروط ومواصفات صارمة من قبل رجال الكنيسة حتى أنهم حرموا السباحة ولعب الكرة بالسراويل..الخ.

العجيب أن هذه الوصاية الكهنوتية المتزمتة.. تمثل جذراً وحافزاً ومنبع استلهام من قبل قلة قليلة من المتزمتين والمتنطعين ممن يكرهون الرياضة ويقفون ضدها موقفاً عدائياً رافضاً لها وجوداً وتواجداً وهو ما انكب حالياً على تأمله واستقرائه بحثاً وجهداً لعلي أتمكن من تناوله في مقالات قادمة..




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد