ما طرحه مجلس الشيوخ الأمريكي من قرار حول تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم للشيعة والسنة والأكراد، وإن كان بلاشك دليلاً واضحاً على كارثية الغزو الأمريكي للعراق، وتفتيت نظامه السياسي والاجتماعي، وأيضاً دليل جلي للعيان على إفلاس العقل الأمريكي من أفكار التعامل مع الأزمة العراقية وأتون الحرب الأهلية التي تعوث بالبلاد، مع ذلك كله فإن من نافلة القول أن مثل هذه القررات التي تشجع التزعات الفئوية والإثنية على الانفصال تجد آذاناً صاغية في كثير من البلدان العربية، التي تصبو وتحن بعض فئاتها السياسية والإثنية إلى الانسلاخ عن بوتقة الدولة الأم تحت أي مبررات أو أعذار لا تتعدى كونها قناعات منبثقة عن التمذهب السياسي، الذي بدأ يجتاح العالم العربي ويترعرع في أحضانه ولا تفتأ بعض الأطراف الدولية والقوى الخارجية في مغازلة أتباعه في داخل البلدان العربية إلى درجات تتعدى البجاحة السياسية لتصل التدخل في الشئون الداخلية للدول والكيانات المستقلة، وتهديد استقرارها السياسي والاجتماعي.
وهذا ما يجلعنا أمام تساؤل حول أسباب جنوح هذه الفئات الداخلية إلى التعلق بحبال الخارج وإعلان الولاء له، ولماذا لم تجد هذه الفئات والإثنيات والمذاهب ما يملأ عينها من الانتماء إلى أوطانها الأصلية؟ وهل الخلل يكمن في الأنظمة السياسية التي كان عليها لزاماً أن تسعى إلى خلق جو سياسي واجتماعي حاضن ومحتوٍ لجميع مكونات المجتمع على حد سواء بغض النظر عن انتماءاتها المذهبية والطائفية وقناعتها الأيديولوجية؟ أم أن أساس المعضلة تنبع من الخطاب المذهبي العابر للحدود والجاهز للتصدير وأيضاً في المزاج المذهبي المُجَيش المستعد والمتقبل لكل ما يغازل إرثة المذهبي والانطباعي حتى وإن كان ذلك على حساب المشروع الوطني والوحدة السيادية للأوطان.
تساولات يصرخ منها واقع السياسة العربية وينضح بها إناء الأمن القومي العربي كغيرها من المهددات التي تتناوش أمن المجتمعات العربية وتهدد استقرارها سواء كان ذلك على الأمد القريب من خلال ما يثار بين الحين والآخر من فتن داخلية في الأقطار العربية والتي تُحرك بأصابع خارجية واضحة للعيان أو على مستوى تلك الخطط الإستراتيجية التي ترسم وتطبخ على نار هادئة من أجل استهداف الواقع العربي بما هو أدهى من الاحتقانات والقلاقل السياسية العابرة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم
أرسلها إلى الكود 82244