أتى شهر الخير رمضان، وأتت معه مظاهر الاستغلال والاستثمار اللامشروع التي يشكل هذا الشهر الفضيل موسماً مدراً لها وللجهات التي تضاعف جهودها فيه لنيل أكبر قدر من الربح قبل أن تنقضي أيامه, ولعل ارتفاع نسبة التسول في الشوارع, وعلى الأرصفة, واتساع رقعة ظاهرة أطفال الإشارات خير دليل على استغلال مافيا التسول لهذا الشهر الفضيل واستدراجها لمشاعر الأفراد والمبادئ الإسلامية من أجل إشباع هوسها الفطري في جمع المال بشتى الطرق، والتي إن لم يكن أقذرها بل وأبشعها هو تنشئة الأطفال وتربيتهم على مهنة تعتمد على إراقة ماء الوجه والحياء, فإن أخطرها هو إفراز فئة عمرية تنشأ على الكسب اللامشروع وطرقه وحيله الملتوية التي ترسخ قناعات تشكل خطورة لا يستهان بها من ناحية التركيبة الشخصية والنفسية للفرد، فالشخص الذي ينشأ على مهنة التسول وأساليبها القذرة وقناعاتها الاستغلالية المهينة من قبل المحركين الأصليين لها، لابد أن يصبح مشروعا مبرمجا للاستغلالية والانتهازية واعتماد أساليب وحيل (الغاية تبرر الوسيلة) والتزوير والغش والتمثيل على الآخرين؛ كالوثائق التي يعتمد عليها الشحاذون في الشوارع.
لا يعني ما تقدم أننا نطالب بإقفال باب الخير في هذا الشهر أو أن نلغي سمة التماسك والترابط الاجتماعي الذي يتسم به هذا الشعب المعطاء، بل إن ديننا الحنيف قد حثنا على ذلك وأوصانا به، ولكن لسان العقل يقول إن شهر رمضان أكبر لدى المسلم وأعز عليه من أن يتحول إلى مشروع استغلال وورشة شحاذة مكثفة لا لشيء إلا للجنى اللامشروع واستغلال المشاعر الإيمانية للمواطنين, خصوصاً وأن الأمر ونعني به أن نكفي المحتاج شر السؤال والحاجة وإراقة ماء الوجه قد تكفلت به السلطات من خلال ما تشرف عليه وبشكل نظامي دقيق من جمعيات خيرية ومنظمات مجتمع مدني تجمع الصدقات وتوصلها للمحتاجين والفقراء بطرق منظمة وواضحة بدلاً من أساليب غوغائية السؤال (الشحاذون) ومستغلي المشاعر الذين أصبحوا يشكلون ظاهرة غيرحضارية ونقطة سوداء على هامش السطر الاجتماعي للبلاد.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244